أنواع من الشرك اللفظي

بــــــــــــاب
أنواع من الشرك اللفظي

u فصل: قول «ما شاء الله وشئت»
v عن قتيلة بنت صيفي الجهنية، رضي الله عنها: أن يهوديًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: «ما شاء الله ثم شئت»، حديث صحيح، أخرجه الطحاوي في «المشكل»، وأحمد، والبيهقي، كما رواه النسائي وصححه، وأخرجه الحاكم، وقال: (صحيح الإسناد)، ووافقه الذهبي، ثم الألباني، وهو كذلك كما قالوا.
v وللنسائي أيضًا عن ابن عباس: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، فقال: «أجعلتني لله ندًا؟ ما شاء الله وحده».
v وعن حذيفة، رضي الله عنه، مرفوعاً: «لا تقولوا: ما شاء الله، وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان!». رواه أبو داود، والطحاوي في «المشكل»، وأحمد، والبيهقي بإسناد صحيح متصل، رجاله رجال الصحيح، ما عدا عبد الله بن يسار، أبو همام الجهني الكوفي، وهو ثقة، وثقه النسائي، وابن حبان. وقال الذهبي في «مختصر البيهقي»: (إسناده صالح)، وقد قصر في ذلك جداً، بل هو في غاية الصحة، ولفظ أحمد هو: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن منصور عن عبد الله بن يسار عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان! قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان».
v وعن الطفيل بن سخبرة، أخى عائشة لأمها، من حديث طويل، قال: (رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير ابن الله، قالوا: وأنتم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مررت بنفر من النصارى، فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وأنتم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال: «هل أخبرت بها أحداً؟» قلت: نعم، قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، فإن طفيلاً رأى رؤيا، أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ماشاء الله وشاء محمد ولكن قولوا: ماشاء الله وحده». أخرجه أحمد، بإسناد جيد قوي يصلح للاحتجاج، وابن ماجه، والدارمي مختصراً، وجاء في رواية البهقي (الحياء) بدلاً من (كذا، وكذا).
v وأخرج البخاري في «الأدب المفرد» بإسناد رجاله ثقاة، غير مولى ابن عمرو، والأرجح أنه ابن سمي، وهو ثقة، عن ابن عمر، أنه سمع مولى له يقول: (الله وفلان، فقال: لا تقل كذلك! لا تجعل مع الله أحداً! ولكن قل: فلان بعد الله).
v وعن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فراجعه في بعض الكلام، فقال: (ما شاء الله، وشئت!)، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أجعلتني لله نداً؟! لا، بل ما شاء الله وحده»، وجاءت روايات بـ «عِدلاً» في مكان «نِداً». أخرجه البخاري في «الأدب المفرد»، وابن ماجه، والطحاوي في «المشكل»، والبيهقي، وأحمد، والطبراني في «الكبير»، وأبو نعيم في «الحلية»، والخطيب في «التاريخ»، وابن عساكر، وإسناده حسن، تقوم به الحجة.
هذا كله محمول على الأدب، والتورع، والنهي على الكراهة، إلا أن يصاحبه معتقد باطل. وكون النهي هنا للكراهية ظاهر:
(1) من قوله، صلى الله عليه وسلم: «وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها»، إذ لو كان التلفظ بتلك الكلمة حراماً لما وجدت قوة في الدنيا تمنعه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من النهي عنها، حاشاه، صلى الله عليه وسلم، من التقصير في البلاغ، أو خيانة أمانة الرسالة!
(2) ما ثبت، بنقل التواتر، أنهم كانوا كثيراً ما يجيبونه إذا سألهم عن شيء: (الله ورسوله أعلم)، ولم نجد قط في رواية صحيحة أو ضعيفة أو حتى موضوعة أنهم قالوا: (الله ثم رسوله أعلم).
ومن جانب آخر استنكر النبي على الرجل قوله: (ما شاء الله وشئت) فقال: «أجعلتني لله نداً (وفي رواية: عِدلاً)؟! ما شاء الله وحده»، مما يدل على أن لفظة «ند»، أو «عدل»، وهي بمعنى «شريك»، أو «مكافيء»، أو «مثيل»، أو «مساوي» قد تطلق ويراد بها الكراهية، وليس التحريم، إذا كانت «»الندية» أو «العدلية»، أو «المكافئة»، ونحوها لفظية محضة.
والشرك هو أن يجعل لله نداً، أو عدلاً، لذلك يجوز إطلاق لفظ «الشرك» على أصناف من المكروه، على وجه التنزيه، والمبالغة والتغليظ في الكراهية، وليس على وجه التحريم. فمن الشرك العملي انواع مكروهة، كراهية تنزيه، وانواع محرمة من صغائر الذنوب، وأخرى محرمة من كبائر الذنوب، وأشده أصناف موبقة مهلكة، تخرج من الملة، وتحبط العمل!
كما أن فيه إشارات لطيفة، غير مباشرة، إلى ذم حال أهل التنطع والغلو الذين يتصنعون الورع والتقوى تصنعاً، فيستنكرون قول: (ما شاء الله وشئت)، أو (والكعبة)، وهم في نفس الوقت يقتلون الأنبياء من قبل، ويكفرون بالنبي الخاتم، بأبي هو وأمي، رحمة الله المهداة إلى العالمين، ويوالون الكفار المشركين، ويأخذون الربا، ويتلاعبون بالشرائع! فما أشبههم ببعض الدجالين من أدعياء «السلفية»، في زمننا هذا، من فقهاء آل سعود الفاجرين!
u فصل: النهي عن الحلف بغير الله
v عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب وعمر يحلف بأبيه فناداهم رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم: «ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بأبائكم! فمن كان حالفاًَ فليحلف بالله، أو ليصمت»، حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم.
v عنه أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله»، حديث صحيح أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وأحمد.
v عنه أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من كان حالفًا فليحلف بالله، أو ليصمت»، حديث صحيح أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأحمد، ومالك، والدارمي.
v عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من حلف منكم فقال في حلفه باللات والعزى فليقل: (لا إله إلا الله)، ومن قال لصاحبه تعال أقامرك: فليتصدق بشيء» أخرجه البخاري ومسلم.
v عن بريدة ــ رضي الله عنه ــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من حلف بالأمانة فليس منا» أخرجه أبو داود بإسناد صحيح. كما أخرج الضياء المقدسي مثله في «المختارة»، وأحمد، وابن حبان بأسانيد صحاح!
v وعن قتيلة: أن يهوديًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: «ما شاء الله ثم شئت» ، أخرجه الطحاوي في «المشكل»، وأحمد، والبيهقي، كما رواه النسائي وصححه، وأخرجه الحاكم، وقال: (صحيح الإسناد)، ووافقه الذهبي، ثم الألباني.
والعجب لا ينتهي من هؤلاء اليهود المتنطعين: يكفرون بالله ورسوله الخاتم، وينقضون عهد الله وميثاقه، ويقتلون النبيين ودعاة الهدى الذين يأمرون الناس بالقسط، ويتحالفون مع عبدة الأوثان من قريش على إمام الموحدين، بأبي هو وأمي، بل ويقولون لقريش: (أنتم أهدى من محمد وأصحابه سبيلاً)؛ ثم يستشكلون، بكل وقاحة، الفاظاً مثل :(والكعبة)، (وما شاء الله، وشاء محمد)! فما أشبه آل سعود، وفقهائهم الأشرار، بهم اليوم، قاتلهم الله وأبعدهم!
v وعن ابن عمر، مرفوعاً: «من حلف بغير الله فقد (كفر أو) أشرك»، حديث صحيح، أخرجه الترمذي وقال: (حديث حسن)، وكذلك الحاكم وقال: (صحيح على شرط الشيخين)، ووافقه الذهبي، ولكن الألباني قال: (صحيح، ولكن على شرط مسلم فقط). كما أخرجه أحمد، والبيهقي في «الكبرى». وأخرجه الحاكم من طرق آخرى صحاح عن ابن عمر بلفظ: «كل يمين يحلف بها دون الله شرك»، أو «من حلف بشئ دون الله فقد أشرك»، أو «من حلف بشئ دون الله فهو شرك»، ونحو ذلك.
v وأخرج ابن حبان أن رجلاً حلف بالكعبة فقال ابن عمر: ويحك! لا تفعل! فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقول: «من حلف بغير الله فقد أشرك».
v وأخرج مثله الطحاوي في «المشكل»، والبغوي، وأحمد بلفظ: «من حلف بشئ دون الله تعالى فقد أشرك»، وإسناده صحيح، وله طرق عدة.
v وأخرج أبو نعيم في «الحلية»، والسهمي في «تاريخ جرجان»، والثقفي في «الثقفيات» عن ابن عمر مرفوعاً: «احلفوا بالله، وبروا، واصدقوا! فإن الله يكره أن يحلف إلا به». وهو حديث حسن لذاته، صحيح بيمجموع طرقه، وشواهده.
v ولكن الإمام مسلم أخرج في صحيحه عن طلحة بن عبيد الله أن رجلا من أهل نجد، ثائر الرأس، جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأله عن الإسلام، فأخبره عن الصلاة، والصيام، والزكاة المفروضة. فقال الرجل: هل علي غيرها، قال: «لا، إلا أن تطوع!»، قال فأدبر الرجل وهو يقول: (والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه)، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أفلح، وأبيه، إن صدق!»، أو «دخل الجنة، وأبيه، إن صدق!»، هذا حديث صحيح، أخرجه كذلك أبو داود.
v وأخرج أحمد بإسناد صحيح: عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرا؟! قال: «أما وأبيك لتنبأنه: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تمهل حتى }إذا بلغت الحلقوم{ قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان!»، وأخرجه البخاري بإسناد صحيح في الأدب المفرد وبوب له قائلاً: (باب قول الرجل: لا، وأبيك)، وله متابعة جيدة عند ابن ماجه.
v وأخرج أحمد بإسناد صحيح: حدثنا أبو الوليد وعفان قالا حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط سمعت إياد بن لقيط يقول سمعت ليلى امرأة بشير تقول إن بشيرا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (أصوم يوم الجمعة، ولا أكلم ذلك اليوم أحدا؟!)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تصم يوم الجمعة، إلا في أيام هو أحدها، أو في شهر، وأما أن لا تكلم أحدا، فلعمري لأن تكلم بمعروف وتنهى عن منكر خير من أن تسكت».
v وأخرج مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة قال: [قال رجل: (يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي؟!)، قال: «نعم وأبيك لتنبأن: أمك»، قال: ثم من؟! قال: «أمك»، قال: ثم من؟! قال: «أمك»، قال: ثم من؟! قال: «ثم أبوك»]، وإسناده حسن، فيه شريك، وهو صدوق كثير الغلط فيه، ولولا ذلك لكان الإسناد صحيحاً، لكن الحديث صحيح بمتابعاته وشواهده.
v وعن خارجة بن الصلت عن عمه، من حديث طويل عن الجُعْل على الرقية، أن النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: «كل! فلعمري لمن أكل برقية باطل، لقد أكلت برقية حق!». حديث صحيح، أخرجه أبو داود، والنسائى في «عمل اليوم والليلة»، وعنه ابن السني، والطحاوي في «شرح المعاني»، والطيالسي، وأحمد، والحاكم، وقال: (صحيح الإسناد)، ووافقه الذهبي، ثم الألباني.
v وقال الحافظ في «الفتح»: (وقد ثبت مثل ذلك من لفظ أبي بكر الصديق في قصة السارق الذي سرق حلي ابنته فقال في حقه: «وأبيك! ما ليلك بليل سارق»، أخرجه في الموطأ، وغيره)، وتلك الواقعة كانت أثناء خلافته، رضي الله عنه.
v وأخرج مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو أسامة: حدثنا هشام بن عروة: أخبرني أبي قال: قلت لعائشة: ما أرى علي جناحا أن لا أتطوف بين الصفا والمروة! قالت: لم؟! قلت لأن الله عز وجل يقول: }إن الصفا والمروة من شعائر الله{،الآية، فقالت: (لو كان كما تقول لكان فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما! إنما أنزل هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية، فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم للحج ذكروا ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية. فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة)، هذا حديث صحيح!
v وأخرج البخاري بأسانيد صحاح عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى: }حتى إذا استيأس الرسل{، قال: قلت: أكذِّبوا أم كذِبوا، قالت عائشة: كذِّبوا، قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم، فما هو بالظن! قالت: أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك! فقلت لها: وظنوا أنهم قد كذِبوا (مخففة)، قالت: معاذ الله! لم تكن الرسل تظن ذلك بربها! قلت: فما هذه الآية؟! قالت: هم أتباع الرسل، الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذَّبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذَّبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك!
v وأخرج مسلم: وحدثنا هارون بن عبد الله أخبرنا محمد بن بكر البرساني أخبرنا ابن جريج قال سمعت عطاء يخبر قال أخبرني عروة بن الزبير قال: كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن. قال: فقلت: يا أبا عبد الرحمن اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب؟! قال: نعم! فقلت لعائشة: أي أمتاه! ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟! قالت: وما يقول؟! قلت: يقول: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب! فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن! لعمري ما اعتمر في رجب، وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه! قال: وابن عمر يسمع فما قال: لا، ولا نعم؛ سكت! هذا حديث صحيح!
v وأخرج مسلم: وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس قال ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير: [أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال: إن ناسا أعمى الله قلوبهم، كما أعمى أبصارهم، يفتون بالمتعة! (يعرّض بابن عباس)، فناداه فقال: إنك لجلف جاف! فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك! فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك!]، وهذا إسناد صحيح كذلك.
v وأخرج مسلم بأسانيد صحاح: عن يزيد بن هرمز: [أن نجدة (الحروري الخارجي) كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال، فقال ابن عباس: لولا أن أكتم علما ما كتبت إليه! فساق الحديث إلى أن قال: وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم؟! فلعمري إن الرجل لتنبت لحيته، وإنه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعيف العطاء منها. فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم! ... إلخ]، وأخرج مثله أحمد.
v وأخرج الترمذي بأسانيد غاية في الصحة: عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: [ لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلا بدراً، ولم يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم أحدا تخلف عن بدر، إنما خرج يريد العير، فخرجت قريش مغيثين لعيرهم فالتقوا عن غير موعد، كما قال الله عز وجل، ولعمري إن أشرف مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس لبدر، وما أحب أني كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة ... إلخ].
v وأخرج أبن ماجه بإسناد صحيح: عن عثمان بن أبي العاص قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي، حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: «ابن أبي العاص؟!»، قلت: نعم، يا رسول الله! قال: «ما جاء بك؟!»، قلت: يا رسول الله! عرض لي شيء في صلواتي، حتى ما أدري ما أصلي! قال: «ذاك الشيطان، ادنه! فدنوت منه، فجلست على صدور قدمي، قال: فضرب صدري بيده، وتفل في فمي، وقال: اخرج عدو الله! ففعل ذلك ثلاث مرات ،ثم قال: «الحق بعملك!»، قال: فقال عثمان: (فلعمري ما أحسبه خالطني بعد).
v وأخرج البخاري: وقال لي عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم قال ابن جريج أخبرنا قال: أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال قال كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟! قلت أبعد الحجاب، أو قبل قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب! إلى آخر الحديث الصحيح!
v وأخرج البخاري بإسناد صحيح عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال سمعته يقول: [إن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل وأتى النساء...إلخ]. قلت لعطاء: أحقا على الإمام الآن أن يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن؟! قال: إي لعمري إن ذلك لحق عليهم! وما لهم لا يفعلون ذلك؟
v وأخرج مسلم بأسانيد غاية في الصحة: عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثه: [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى»، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يورد ممرض على مصح»، قال أبو سلمة كان أبو هريرة يحدثهما كلتيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله: «لا عدوى»، وأقام على أن لا يورد ممرض على مصح! قال: فقال الحارث بن أبي ذباب، وهو ابن عم أبي هريرة: قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديثا آخر قد سكت عنه، كنت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى»، فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك وقال: «لا يورد ممرض على مصح». فماراه الحارث في ذلك، حتى غضب أبو هريرة، فرطن بالحبشية، فقال للحارث: أتدري ماذا قلت؟! قال: لا! قال: أبو هريرة قلت: أبيت! قال أبو سلمة: ولعمري لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى»؛ فلا أدري أنسي أبو هريرة، أو نسخ أحد القولين الآخر].
فكبار الصحابة كانوا يحلفون بآبائهم، وأعمارهم أو حياتهم، ردحاً من الزمن، وحتى أوائل العهد المدني، مما يدل على أن الموضوع، على كل حال، من فروع التوحيد وآدابه، وليس من أصوله ومهماته، خلافاً لمزاعم أهل الغلو والتنطع، ورثة اليهود وأشباههم، لا سيما من أتباع الدعوة «الوهَّابية». ثم نهاهم النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، عن ذلك. وثبت في الأحاديث أعلاه أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلف، في أحوال قليلة نادرة، بأبي الرجل السائل، وبحياته الشريفة. وفعل ذلك بعدوفاته: أبو بكر، وعاذشة، وابن عباس، وكعب بن مالك، وعثمان بن أبي العاص، من الصحابة، رضي الله عنهم، وعطاء، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف من التابعين.
أما استشهاد البعض، من المتساهلين، بأن الرب، جل جلاله، قد أقسم في مواضع من الكتاب العزيز ببعض مخلوقاته، فهو استشهاد في غير موضوعنا، وهو من ثم باطل. ذلك لأن الله، جل وعلى، هو رب كل شيء ومليكه، السيد المطلق السيادة، لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون. فهو المشرِّع، والحاكم، والمخاطِب ــ بكسر الطاء المهملة ــ لعباده بالأحكام الشرعية، وليس هو المخاطَب ــ بفتح الطاء المهملة ــ بها، فلا يصح الاستشهاد بشيء من أفعاله على حكم شرعي!
نعم، لا شك في اتصاف الله بالكمال، والجلال، والجمال التام المطلق، وهو السلام السالم من كل عيب ونقص، لا إله إلا هو ولا رب سواه، لذلك يصح أن نقول:
(1) أن القسم والحلف بشيء، من حيث هو، لا يقتضي كون ذلك الشيء إلاهاً، مستحقاً للعبادة. ذلك لأن الله، جل جلاله، أقسم بأشياء، غير ذاته المقدسة، وشهد في نفس الوقت شهادة صدق، بل هي أصدق شهادة في الوجود على الإطلاق،:}أنه لا إله إلا هو، والملائكة، قائماً بالقسط{، تعالى وتقدس ربنا عن الكذب! فمجرد الحلف بالشيء لا يجعله إلاهاً! وهذه ضرورة عقلية وشرعية!
(2) أن إقسام الأعلى بالأسفل، بما في ذلك قسم واجب الوجود، العزيز العظيم، الأول الأزلي من غير ابتداء، الآخر الأبدي الباقي سرمداً من غير انتهاء، ببعض مخلوقاته الذليلة الحقيرة المحدودة الفانية، حسن، غير معيب عقلاً. ولو لم يكن كذلك لما فعله ربنا المنزه عن كل عيب ونقص، عليه نتوكل، وبه نتأيد.
والحسن والقبح العقلي لا يتطابق بالضرورة مع الحسن والقبح الشرعي! ألا تري أن الكذب قبيح عقلاً، قبحاً مطلقاً، وأن ربنا، تبارك وتقدس تنزه عنه، وحرمه على نفسه المقدسة، لكماله المطلق، أزلاً وأبداً، ولكنه رخص لنا فيه في الحرب، لنقصنا وضعفنا! فالكذب في الحرب مباح، وقد يستحب أو يجب في أحوال حربية معينة، فهو، قطعاً، حسن «شرعاً»، مع بقاء حكم «العقل» عليه بالقبح ثابتاً لا يتزعزع، ألا تري أنه إنما رخص به لنا لحاجتنا، المرتبطة، ضرورة، بضعفنا ونقصنا، وتنزه هو عنه أزلاً وأبداً، لكماله، وغناه المطلق؟!
وقد غلبت الوساوس «الوهَّابية» الشيخ ناصر الدين الألباني، عفا الله عنه، فضاق ذرعاً بلفظة «أما، وأبيك، لتنبأنه»، الواردة في حديث أبي هريرة، وزعم أنها «زيادة شاذة»، وذلك في كتابه (صحيح الأدب المفرد)! والحق أن الزياد تكون مقبولة، كما هو الحق المشهور من «علم مصطلح الحديث»، إذا جاءت من «ثقة»، أو بإسناد «موثق»، لا «شذوذ» فيه، ولا «علة»، ومرفوضة فيما عدا ذلك. أما الشذوذ فهو وصف لرواية «الثقة» إذا خالف من هو، أو ما هو، أوثق منه. ورواية الثقة (أي العدل الضابط) لا ترد إلا بـ «شذوذ»، أو «علة»!
والزيادات التي استشكلها الألباني لم تخالف أو تناقض أية رواية موثقة أخرى حتى يصلح أن نصفها بـ «الشذوذ». وحسب علمنا لم نجد فيه «علة» قادحة أخرى، توجب ردها. بل إن الإمام البخاري، أمير المؤمنين في الحديث، «جبل الحفظ وإمام الدنيا»، وهو من هو في علمه بالحديث، وفقهه الشهير في عنونة الأبواب، عنون لباب مستقل في «الأدب المفرد» بـ (باب قول الرجل: لا، وأبيك)، مما يدل على صحة تلك الزيادة عنده، لأنه يبعد جداً أن يعنون البخاري، المعروف بفقهه في عنونة الأبواب، لباب بمضمون زيادة مردودة لا تقوم بها الحجة.
والجمع بين تلك النصوص كلها ممكن ميسور، من غير ادعاء لنسخ أو غيره، بأن النهي عن الحلف بالمخلوقين، كالنبي، والعيش والملح، والشرف، والجد، والكعبة، والأخوة، والصداقة، والزمالة، والشرف العسكري، إنما هو للكراهة، والتنزيه، ومن الإرشاد إلى تمام الأدب المستحب مع الله، جل جلاله، وليس للتحريم، كما بينا في الفصل السابق حول لفظة: «ما شاء الله وشئت»، وكما في الحديث القوي الذي أخرجه أبو نعيم في «الحلية»، وغيره عن ابن عمر مرفوعاً: «احلفوا بالله، وبروا، واصدقوا! فإن الله يكره أن يحلف إلا به»! حاشا حلفاً بالطواغيت من أمثال اللات، والعزى ونحوه، فلا شك في حرمته، لارتباطه باعتقاد ألوهيتها، بل هو:
(1) إما عمداً، فيكون شركاً وكفراً يخرج من الملة، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان،
(2) أو سبق لسان ممن تعودها في جاهليته فكفارته الاستغفار، والتلفظ بالتوحيد: (لا إله إلا الله)!!
وعلى كل حال فإن الأولى، والأحوط، والأقرب إلى الأدب مع ربنا، جل جلاله، هو الامتناع البات من الحلف أو الإقسام بغيره، وتطهير اللسان من ذلك، والتلفظ بشهادة الحق، إن زل اللسان بشيء منه. والقول بأن النهي هنا للكراهيه هو القول المشهور عند المالكية، وهو قول الجمهور من الشافعية، حتى قال إمام الحرمين: (المذهب القطع بالكراهية!)، وقال الإمام الشافعي: (أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية) فأشعر بالتردد. وقال المنذري: (دعوى النسخ ضعيفة لإمكان الجمع، ولعدم تحقق التاريخ). وهذا كله مترتب على كون التعبير بـ «فقد أشرك» محتملاً للكراهية والتنزيه، وليس التحريم، في بعض الأحيان.
وهذا، أي القول بالتحريم وليس بالكراهية، هو كذلك المتعين، وجوباً، لا احتياطاً، على كل من اعتبر لفظة: «فقد أشرك» لا يمكن أن يقصد بها الكراهية أبداً، وأنما تقتضي، ولا بد، التحريم. ففي هذه الحالة لا يمكن الجمع بين النصوص إلا باعتبار النهي التحريمي ناسخاً للإباحة السابقة له، التي كانت هي معهود الحال. فالنسخ حينئذ ثابت يقيناً، أما ما روي من حلف النبي: «أفلح، وأبيه، إن صدق!»، أو «دخل الجنة، وأبيه، إن صدق!»، أو «أما، وأبيك، لتنبأنه!»، أو «فلعمري لأن تكلم بمعروف»، فيحتمل أن يكون بعد النهي، أي النسخ، أو قبله، فلا يجوز ترك النسخ المتيقن، لظن أو احتمال، فاليقين لا يزول بالشك أبداً. ولا يجوز أن يقال أن التحريم المتيقن نسخ مرة ثانية بالإباحة، من غير دليل يقيني، ولا يجوز أن يقال أن دليل الإباحة اللاحقة، بعد النهي المحرم، قد ضاع لأن الشريعة كاملة محفوظة، لا يضيع منها شئ البته إلى قيام الساعة. ولا يعارض هذا بما روي عن بعض الصحابة أنهم قالوا: (لعمري)، ونحوه لأن أفعالهم وأقوالهم ليست بحجة، وما ثمة صحابي إلا وقد غاب عنه شى من كتاب الله أو سنة رسول الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله!
والقول بتحريم الحلف بغير الله هو قول جميع أهل الظاهر، وقول للمالكية والشافعية، وقول أكثر الحنابلة. قال الإمام الماوردي: (لا يجوز لأحد أن يحلف بغير الله، لا بطلاق، ولا بعتاق، ولا نذر. وإذا حلف الحاكم أحداً بشئ من ذلك، وجب عزله لجهله!)، وهذا هو قولنا، وهو الأقرب إلى الصواب إن شاء الله تعالى!
وحاولت طائفة ثالثة صرف النهي إلى الكراهية، إذا كان الحلف بغير الله للتأكيد مجرداً فقط، وإلى الحرمة إذا كان لتكريم المحلوف به تكريماً وتشريفاً يليق به كالنبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والكعبة، ونحوه، وإلى الكفر إذا كان عبادة وتقديس، أي مع اعتقاد الألوهية. واستثنى طائفة من الحنابلة الحلف بالنبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن الله قرنه بنفسه في الشهادتين (؟!). وكل هؤلاء قوَّلوا ربهم ونبيهم ما لم يقله، وفرقوا ما جمع الله ورسوله، وكل ذلك باطل، لا يحل أخذه أو التدين به، إلا من حلف بغير الله معتقداً ألوهيته، فهذا متلفظ بالكفر، مقر به، فهو بذلك مشرك كافر، بدلالة نصوص أخرى من الكتاب والسنة، متضافرة في الدلالة على ذلك.
وعلى كل حال كما أسلفنا: ليست هذه قضية القضايا، وليست مما يشد إليه الرحال لتحريره، دع عنك ضرب الأعناق، وسل سيف التكفير!
u فصل: ما جاء في كثرة الحلف
v وقول الله تعالى: }واحفظوا أيمانكم{ (المائدة؛ 5:89).
v وقال تعالى: }ولا تطع كل حلاف مهين{ (القلم؛ 68:10)
v  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة (وفي رواية: للربح، وفي أخرى: للكسب)»، حديث صحيح، أخرجه الشيخان، والنسائي، وأبو داود.
v وعن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: الشيخ الزاني، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته، لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه» رواه الطبراني بسند صحيح.
وذلك لأن أصل اليمين إنما شرعت تأكيدًا للأمر المحلوف عليه، وتعظيمًا للخالق، ولهذا نهينا عن الحلف إلا بالله، وكان الحلف بغيره من الشرك اللفظي المكروه، في أهون مراتبه. ومن التمام الواجب لهذا التعظيم أن لا يحلف بالله إلا صادقا، فالكذب في اليمين ينافي جوهر التعظيم الواجب، الذي هو روح التوحيد. ومن الكمال المستحبلهذا التعظيم أن يحترم اسمه عن كثرة الحلف، فكثرة الحلف تنافي التعظيم.
وعلى كل حال فإن الأولى، والأحوط، والأقرب إلى الأدب مع ربنا، جل جلاله، هو الامتناع عن الحلف به مطلقاً إلا لضرورة، حتى لا يكون اسم ربنا، تعالى وتقدس، ممتهناً على الألسنة، وسداً لذريعة الكذب، ومهانة كثرة الحلف: }ولا تطع كل حلاف مهين{!


أنواع من الادب مع الله


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق