الـدنيـا والـديـن
الباب الأول: الـدنيـا والـديـن
مفهومُ «الدين» عِندنا
ــ معشرَ المسلمينَ ــ يعني منهاجًا كاملاً للحياة، أي طريقةً معينةً للعيش، تقومُ
على أساس عقيدةٍ كليةٍ عن الكون والإنسان والحياة، وعلاقتِها بما قبلهَا (وهو اللهُ
تبارك وتعالى)، وعلاقتِها بما بعدَها (وهو اليومُ الآخِر بما فيه من حِسابٍ
وجزاء)، وليس هو فقط تنظيمٌ لعلاقةِ الإنسان بربّه أو تحديدٌ لبعض القيم الخُلُقيّة،
والآدابِ الفرديةِ فحَسْب (كما هو مفهوم الحضارة الغربية الوثنية الكافرة)، بل هو
تنظيمٌ شاملٌ لحياةِ الإنسان وعلاقاتِهِ كلّها:
(1) ــ علاقةُ الإنسان
بربّه: «في العقائدِ والشعائر التَّعبُّدية».
(2) ــ علاقةُ
الإنسان بنَفسِه: «في المعرفةِ والإيمان والنيةِ وأعمالِ القلب، وفي الأخلاق،
والمطعوماتِ والملبوساتِ؛ بل وكذلك في التَّجمُّل والزّينة».
(3) ــ علاقةُ الإنسان
بغيرهِ منْ بني الإنسان:
(أ) في العلاقةِ الأسريَّةِ، منْ نِكاح وقَرَاباتٍ ومَوَاريث (أي في النّظام
الاجتماعي).
(ب) وفي العلاقاتِ الخاصّةِ بين الناس، أو ما يُسمُّونه «القانون المدني»، أي العلاقات مع
الأفراد: في العقودِ والمُعامَلات، والصّناعةِ والزّراعة، وتبادُل المنافِع الماديّةِ
بالتّجارةِ والمُقاولاتِ، والمُؤسّساتِ والشركات.
(ج) وفي العلاقاتِ العامّةِ، أي العلاقةِ بينَ الحاكِم والمَحكُوم، أي
العلاقاتِ الدُّستوريّة، والعلاقاتِ مع السّلطةِ العامّة: في نِظام الحُكم، أي دُستُور
الدّولة، ونُظُمِ القضاءِ والبيِّنات، وأحْكامِ الجزاءِ والعُقوبات، وتشريعاتِ
المال العامِّ منْ خَراج، وفيْءٍ، وضرائِب، ومُكُوس، وأموالِ الملكيّةِ العامّةِ
وأمْوالِ الدّولة.
(د) بلْ كذلكَ فِي العلاقاتِ الدّولية، أي علاقةِ الجماعاتِ والأمم والدّولِ
بَعضُها ببَعْض: في أحْكام المُعاهداتِ والجهادِ والرُّسُلِ والسِّفَارَات.
(4) بَلْ وَعلاقةُ الإنْسان بِغيرهِ
مِنَ الكائِنَات:
(أ) الحيوان
(ب) النّبات
(ج) الجَمادَات
(د) العالمُ المحيطُ بوَصفِه بيئةً، أي بوَصفهِ كلٌّ مُرَكّب.
أمّا (الدُّنيا) فهي:
العالمُ المادّيُ المُحيطُ بنا، كمَا هُوَ فِي ذَاتِه، وفيمَا هُوَ
عَليْه، أي حالُ العَالَم كمَا هُو، في حِين أنَّ (الدِّينُ) هُوَ مَا يَنْبَغِي أنْ يَكونَ حالُ العَالَم
عَلَيْه.
ومِنَ المُهمّ جِدًّا أنْ نُلاحِظَ أنّهُ، وإن كانت العُلومُ
الطبيعيةُ المَحْضَةُ كالفِيزياءِ والكِيمْياءِ وعِلمُ النباتِ وغيْرها منَ العُلُوم،
التي هِيَ دِراسةٌ لخواصِّ العالم المَحْسُوس، بالتَّجْربَةِ والرَّصْدِ، والحِسِّ
والعَقْل، وكذلِكَ تَطْبِيقاتِهَا، فِي الهَنْدسةِ والزِّراعَةِ والطِّبّ، منْ أمُور(الدّنْيَا)، وكذلك المهَارَاتِ والحِرفِ
والفُنُونِ المُتعلِّقةِ بها، مثلُ المِلاحةِ والحِدادةِ والعِمارةِ ونحْوِها،
وكذلك كيفيَّةِ إنْشاءِ الثروةِ وتنْمِيتهَا بالرَّعْي والصَّيْدِ والزّراعَةِ
والصِّناعةِ والتِّجارة، والعِلمُ المُتعلِّق بِتداوُلِ المالِ والنُّقودِ وطبيعةِ
الأسْواق، أيْ ما يُسمَّى: (عِلمُ الاقْتِصادِ) منْ أُمُورِ «الدُّنيَا»، إلاَّ أنَّ الأسبَابِ الشَّرْعيَّةِ لِكسبِ المال، والحُدُودِ
الشَّرْعيَّةِ لِصرْفِه، وكذلك كيْفيَّةَ توْزيع الثَّرْوةِ في المُجْتمع أيْ ما يُسمَّى:
(النِّظامُ الاقتِصادي) لا تُعتبرُ منْ
أمور (الدُّنيا)، بلْ هيَ من أمُورِ (الدّين)، لأنَّهَا تَرتبطُ حتْماً بوجهةِ
النَّظرِ في الحياة، أيْ بِالعقيدةِ الكُلِّيةِ عنْ الكَونِ والإنْسانِ والحياة،
وعلاقتها بما قبلها، وبما بعدها. وقد أنزل الله، سبحانهُ وتعالى، فيها أحكامًا
شرعيّةً واجبةَ التّطبيق، لازمةَ الاتِّباع، وسوْف يُحاسِبُ عليها يومَ القِيامة،
ثم يترتَّبُ على ذلك إِمَّا السعادةُ الأبديَّةُ بِرضوانِ اللهِ والنَّعيمُ المُقيم،
أو الشَّقاوةُ الدائِمةُ بِسخطِ اللهِ والعذابُ الألِيم.
فصل: الثقافة، والحضارة،
والمدنية:
من هذه المقدمات آنفة الذكر نعلم أن «المدنية» (Urbanisation) التي هي مجموع المظاهر المادية للنشاط الإنساني وهي تشمل:
ــ العلوم التجريبية والرصدية: كالفيزياء، وعلم النبات، وعلم طبقات الأرض (الجيولوجيا)، والفلك،
ونحوه.
ــ وما بني عليها من علوم تطبيقية: كالهندسة الكهربائية، والزراعة، والتعدين، والطب،
ــ وما ارتبط بها من مهارات
وحرف وفنون: كالملاحة، والنجارة والحدادة، والعمارة، وتشغيل ما نشأ منها من
آلات ومعدات وطرق ومنشآت ومنتجات زراعية،
من ذلك نعلم، أن «المدنية»،
بهذا التعريف المنضبط، من حيث الأصل والمبدأ، عالمية، وعامة غير متحيزة، لا
علاقة لها من حيث المبدأ بوجهة النظر في الحياة، وهي كذلك متماثلة عند جميع الأمم
بغض النظر عن معتقداتها وثقافاتها. لذلك يجوز للمسلم أن يأخذها من أي مكان وأن
يطبقها كيف يشاء، ما لم تتعارض مع نص شرعي خاص، كل ذلك مع الحذر الدائم والانتباه
المستمر لاحتمال تَلَوُّثَاتِها الحضاريّة وتَحَيُّزَاتِها العَقَديّة.
كما أن هناك «مدنيّة خاصة»
ترتبط وتتأثر بوجهة النّظر في الحياة، فهذه خاصّة بكل أمة أو شعب ولا يجوز
للمسلمين أخذها أو الاقتباس منها من غيرهم، وذلك مثل بعض، بعض وليس كل، فنون الرقص، والتصوير والنحت، والتّمثيل،
والمسرح ونحوها، وكذلك بعض الحرف مثل البغاء ــ والعياذ بالله ــ وكذلك بعض أنشطة
الرياضة البدنية والترفيه والتسلية: كمصارعة الثيران، والتحريش بين الديوك ونحوه،
لأنها وإن كانت من باب العلوم التطبيقية والفنون والحرف، إلا أنه لا تمكن ممارستها
إلا بالمصادمة لبعض الأحكام الشرعية.
أما «الحضارة»، (Civilisation): فهي طريقة الحياة، أو هي
مجموع المعتقدات والمفاهيم والأخلاق والمقاييس عن الحياة وما يرتبط بها من «ثقافة» (Culture).
نعم: كثيراً ما نجد هذه الألفاظ تستخدم على نحو يتداخل مع بعضه البعض
فتستخدم لفظة «الحضارة» بمعنى لفظة «المدنية»، أو يتم خلط المفهومين، فتكون
النّتيجة اختلاط المفاهيم وتداخُلها، وتشويش على صفاء التصور العقدي، وتعسّر اتخاذ
موقف فقهي سليم، لذلك يجب الحرص على دقة المفاهيم، وانطباق الألفاظ على معنى
المفهوم، وعدم السّماح بتشابكها واضطرابها، وإلا كانت العواقب العقدية والفكرية،
ومن ثَمَّ العملية بعد ذلك، وخيمة.
نعم: لفظة «الحضارة»
قريبة المعنى في الأصل اللغوي من لفظة «المدنية»،
إلا أن لفظة «الحضارة» أقرب إلى
التعبير عن الطراز المعين للعيش من لفظة «المدنية»،
لأن «الحضارة»، التي هي المعيشة
المستقرة في الحضر وممارسة الزراعة والصناعة، تستخدم عادة بإزاء «البداوة»، التي هي حياة التنقل وتتبّع
المطر والكلأ وممارسة الرعي والصيد، فهما نمطان للحياة مختلفان، وطرازان في العيش
متباينان، في حين أن «المدينة» تستخدم
عادة بإزاء «القرية»، وكل ذلك عيش
مستقر في مكان واحد، إلا أن الأحوال والآلات والوسائل المدنية تختلف فقط في
الدرجة.
وكذلك فإن لفظة «الحضارة»
قد استُعملت، في اللغة العربية، للمعاني المتعلقة بالأفكار، لذلك كانت أقرب في
استعمالها في المفاهيم، كما جاء في «القاموس»:
[حَضُر (بضم الضاد) كنَدُس: الرجل ذو البيان والفقه]، وقال في «اللسان»: [رجل حَضْر (بتسكين الضاد) ذو
بيان]، فلفظة «الحضارة» أقرب وأنسب
وأكثر ملائمة في الاستعمال لمجموعة المفاهيم من لفظة «المدنية»، ولفظة «المدنية»
أقرب في الاستعمال للأشكال المادية.
والمهم هو مراعاة الفرق الجوهري بين محتوى المفهومين، أما الاصطلاحات
فلا ينبغي أن تكون فيها كبير مشاحة، وإن كانت الدقة، في اختيار الألفاظ ومطابقتها
أو مقاربتها للمقصود، مهمة ومطلوبة.
و«الثقافة»: هي مجموع
العلوم والمعارف والمهارات التي كانت عقيدة تلك الحضارة سببًا في دراستها ونشأتها،
أو هي المعارف التي تؤثّر في العقل وحُكمِه «القيميّ»
على الأشياء، كالتّشريع، والاقتصاد، والتّاريخ، واللّغة، وما شاكلها.
هذه «الحضارة»، وتلك «الثقافة»، التي هي جزء منها، هي،
بالضرورة، متحيزة وخاصة، ترتبط عند كل أُمّة وشعب بالأساس العقائدي الذي تؤمن به
تلك الأمّة، إذا كانت تلك الحضارة مُنبثقةً عن عقيدة كلّية عن الكون والإنسان
والحياة، كما هو الحال في الحضارة الإسلامية والحضارة اللّيبرالية الرأسمالية،
فتكون من ثم «حضارة دينيّة»، أو «حضارة أيديولوجيّة»، أو «حضارة عقائديّة». و«الحضارة» ترتبط دوماً بخصوصيات ذلك الشعب وتلك الأمة الناشئة عبر التّطور
التاريخي والتّفاعل مع أحداث الزّمن، حتى بالنسبة للحضارات التي لا تنبثق عن أساس
عقائدي، فتكون حينئذ «حضارة وضعية»،
كحضارة اليونان وبابل والأشوريّين والصّين، وأوروبا قبل عدة قرون من الزمن، أي قبل
أن تنتصر الحضارة الليبرالية الرأسمالية وتهيمن على الحياة في أوروبا وأمريكا.
نعم: لا شك أن
اليونان وبابل والآشوريّين قديماً، وأمريكا وأوروبا قبل عدة قرون، كان لهم أديان
كالوثنية والنصرانية والبوذية والكونفوشية، إلا أنّها أديان روحيّة أخلاقيّة محضة،
ليس فيها مفاهيم وقناعات ومقاييس وتشريعات لكافة شؤون الحياة، فلا تصلح إذاً لأن
تنبثق عنها حضارة، ولكن يتواضع الناس على مفاهيم وتشريعات خاصة بهم، لتنظيم شؤون
الحياة الدنيا، فهذه المفاهيم والقناعات والمقاييس الوضعية هي التي تشكل حضارتهم،
مع كونها ليست منبثقة عن دينهم. فالقوم لهم حضارة ليست دينية، وإن كانوا هم يؤمنون
بدين معين، لكن حضارتهم لم تنبثق عن دينهم، بل هي «حضارة وضعية».
وفي العصر الحديث تشترك شعوب وأمم كثيرة، كاليابانيون والهندوس
والسيخ والأمريكان والفرنسيّون في حضارة واحدة، هي الحضارة الليبرالية الرأسمالية
الغربية، مع تعدد واختلاف أديانهم.
لذلك كان للإسلام حضارته الخاصّة «الحضارة الإسلامية» المشتملة على ثقافته المتميزة، ألا وهي «الثقافة الإسلامية» الشاملة لعلوم اللغة
العربية، وعلوم الدّين الإسلامي بشتّى فروعها، التي ملأت الدنيا نورًا وعلماً
وهدىً، وهي أكمل وأكثر ثقافات الدّنيا كتباً وتصنيفاً.
أما ما يتشدّق به الغربيون ويسمّونه «الحضارة الإنسانية» فهو اسم مزوّر
لحضارتهم هم، وهي حضارة كافرة، تقوم في أساسها وجوهرها على الوثنية الإغريقية
الرومانية، مع لمسات ــ لمسات تلطيفية ليس إلا ــ من النصرانية البولصية المحرَّفة
الضّالة، التي انحرفت بعد عدة قرون من نشأتها، فأصبحت صليبية مقيتة حاقدة،
واليهودية العنصرية الملعونة، يهودية الأحبار والكهان الفاسقين، قتلة الأنبياء.
وهي حضارة غربية محلية محضة، لا علاقة لها بعقائد وأفكار ومفاهيم وقناعات وعادات
بقية شعوب العالم، مهما شغَّب دعاة «العولمة»
وجادلوا.
وقد اختار القوم هذا الاسم الذي يوحي بالإنسانية والعالمية، لتغرير
شعوب الدنيا، وبالأخص المسلمين، لإخراجهم بهذه الطّريقة الخبيثة الماكرة من دينهم،
ذلك لأن اعتِناق هذه الحضارة الغربية، المسماة بـ «الإنسانية»، زوراً وبهتاناً، والعيش وِفْقَها يعني، لا محالة، الردّة
عن الإسلام، والخروج إلى الكفر والضلال، المفضي إلى الشقاوة الأبدية، واللعنة
السرمدية في نار جهنم، والعياذ بالله تعالى.
كما أن هذا الاسم مؤشّر قويّ على عنصريّة الغرب وغطرسته، ونظرته
المتعالية إلى بقيّة بني الإنسان: فما جاء من الغرب فهو، بزعمهم، «إنساني» و«عالمي»، وما كان من غيرهم من الأمم والشّعوب فهو محلي أو إقليمي، فهو
من ثَمَّ محدود متخلف، همجي بربري، لا يستحق أن يسمَّى إنسانياً، وهو، في أحسن
الأحوال، محدود محلي لا يمكن أن يكون عالمياً!
من الإيضاح السابق يتبيّن أن أمور الدّين ليست هي الشّعائر التعبّدية
المحضة، أو العقائد الغيبية، أو الأخلاق والآداب الجميلة فحسب، كما هو في المفهوم
الغربي، بل كل أفعال الإنسان الاختيارية هي محلّ الحكم الشرعي سواء:
(أ) قصد بها محض التعبّد
والتقرّب إلى الله، أي تحقيق قصد أو قيمة «تعبّديّة»
أو «نسكية»: (الشّعائر التعبّدية
المحضة مثل الصّلاة، والذّكر، والدّعاء).
(ب) أو قصد بها تحقيق قيمة «خُلُقيّة»: (الأخلاق، مثل: الصّدق
والأمانة والكرم، وحتى الرفق بالحيوان).
(ج) أو قصد بها
تحقيق قيمة «إنسانيّة»: (مثل إغاثة
الملهوف، وإنقاذ الغريق، بغض النّظر عن لونه، ودينه، وقوميّته، وجنسه)
(د) أو أراد بها
الإنسان كسبًا «معنويًّا» أو «أدبيًّا»: (كالحصول على المجد، والفِخار،
والثناء).
(هـ) أو أراد تحصيل
منفعة، أو قيمة «ماديّة»: (كالنّقود،
بالتّجارة، ونحوها).
كل هذه الأنواع من الأفعال الإنسانيّة الاختياريّة هي محلّ الحكم الشّرعي، والالتزام بالحكم الشّرعي هو الجانب الرّوحي
التعبّدي فيها، فإذا أدرك الإنسان أنه متعبَّد لله في جميع أحواله، والتزم
الحكم الشّرعي في جميع أعماله، أصبح روحانيًّا عابدًا، مستحقًّا على هذا الجانب
الرّوحي التعبّدي من الله المثوبة والثناء؛ والتعبّد هنا يعني: القبول، والتّسليم،
والرّضا، والطّاعة لأمر الله، الناشئة من تعظيم الله ومحبّته، المُنبنية على
اعتقاد راسخ، ويقين جازم، وإيمان مطلق بأنّ الله هو الإله الواحد الأحد، واجب
الوجود الأول القديم، الأزلي بغير ابتداء، الباقي الأبدي، الآخر من غير انتهاء،
الحي القيُّوم، فعَّال لما يريد، يخلق ما يشاء ويختار، لا يسأل عمّا يفعل، ويحكم
ما يريد، لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب.
هذه هي «الروحانيّة» الحقّة، فهي أمر يتعلّق بـ«الوعي»، و«الإدراك». ولا علاقة لذلك بالرّوح «المفارِقة»، أو بكون الإنسان مركّب من «مادّة»، و«روح»، بغض النّظر
عن صحّة ذلك أو بطلانه، فهذا موضوع مستقلّ عن ذاك تماماً.
أما ما قاله بعض العلماء: (إن
العادات تنقلب إلى عبادات إذا صلحت النيّة). فهذا كلام ليس بدقيق، لأن العادات،
أو بلفظ أدقّ: المباحات، لا تنقلب إلى مستحبات أو واجبات، ولكن وجود
«وعي» معين أو «نية» معينة، هو الذي قد يستحقّ عليه الإنسان المثوبة، بل وربّما
العقوبة، لا على ذات الفعل، من حيث هو فعل مجرّد، الذي هو مباح كما كان، لا ثواب
لفاعله أو عقاب عليه، من حيث هو فعل مجرّد، وسنتكلّم عن هذا بالتفصيل، ونشبعه
بحثاً في فصل مستقلّ آت، إن شاء الله تعالى.
فصل: ماهيّة الفرق بين (الدّين) و(الدّنيا):
وما ذكرناه آنفا له واقع يدرك بالحسّ والعقل، ومن استقراء نصوص
الوحي، أي النّصوص الشّرعيّة، أي نصوص القرآن والسنّة، لا غير، إذ هي وحدها النّصوص
الشّرعيّة، وهي وحدها الوحي المنزّل، كما سنبرهن عليه قريباً، إن شاء الله. وقد
كان ذلك وايم الله كافياً شافياً، ولكن الله، تباركت أسماؤه وتقدّست صفاته، نصّ
على بعض ذلك في كتابه العزيز، كما ألهم نبيّه المعصوم سيّدي أبا القاسم محمد بن
عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العدناني العربي، النبي الرسول الأمِّي،
خاتم النبيّين، وإمام المرسلين، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى آله،
بزيادة بيان مباشر صريح، يغني عن أكثر الاستقراء، وجمع النّصوص، فمن ذلك:
* ما أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (ج6/ص123/ح24964) بإسناد
غاية في الصّحة عن أمّ المؤمنين عائشة، زوج رسول الله، وأنس بن مالك، خادم رسول
الله، حيث قال: [حَدَّثَنَا عَفَّانُ
قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ؛
وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ، صلّى
الله عليه وسلّم، سَمِعَ أَصْوَاتاً فَقَالَ: «مَا هَذهِ الأَصْوَاتُ؟!»؛ قَالُوا:
(النَّخْلُ يُؤَبِّرُونَهُ يَا رَسُولَ اللَّه)،. فَقَالَ «لَوْ لَمْ يَفْعَلُوا
لَصَلُحَ». فَلَمْ يُؤَبِّرُوا عَامَئِذٍ فَصَارَ شِيصاً فَذَكَرُوا ذَلِكَ
لِلنَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «إِذَا كَانَ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنَكُمَ بِهِ وَإِذَا
كَانَ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَىَّ»]؛ كما أخرجه ابن ماجه في سننه
(ج2/ص826/ح2471)، وأبو يعلى في مسنده (ج6/ص199/ح3480)، (ج6/ص238/ح3531)، وقال
الشيخ حسين أسد: (إسناده صحيح)، وابن حبّان من طريق أبي يعلى في صحيحه
(ج1/ص202/ح22)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: (إسناده صحيح على شرط مسلم). وأخرجه الإمام
أحمد بن حنبل في موضع آخر من مسنده (ج3/ص152/ح12566) بلفظ: [حدثنا عبد الصّمد حدّثنا
حمّاد عن ثابت عن أنس قال: سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصواتا فقال: «ما هذا؟» قالوا: (يلقحون النخل)، فقال: «لو تركوه فلم يلقحوه لصلح»،
فتركوه فلم يلقحوه فخرج شيصا فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «ما لكم؟!»، قالوا: (تركوه لما قلت!)، فقال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم:
«إذا
كانَ شيْءٌ مِن أَمرِ دُنياكُمْ فَأنتُمْ أعلَمُ بِه، فإِذا كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ
فَإِلَي»].
- وأخرجه مسلم، (ج4/ص1836/ح2363)،
بإسناد صحيح بمعناه، ولكن باختصار سيّئ مخلّ، قال: «أنتم أعلم بأمر دنياكم»، وهو اللّفظ المُشوه المبتور، الذي يتداوله
الناس، في أكثر الأحيان، للأسف الشّديد. وأخرجه كذلك الدارقطني مرّة أخرى بنحو لفظ
مسلم، وأخرجه كذلك البزّار في مُسنده، وهو عند الإمام أبي محمّد علي بن حزم في «الإحكام في أصول الأحكام» من طريق البزّار،
وجاء حديث أنس عند البزّار بلفظ: «أنتم
أعلم بما يصلحكم في دنياكم، وأما آخرتكم فإليّ»، وهذا كأنّه رواية بالمعنى،
تصرّف أحد الرواة فاستبدل لفظة: (دينكم)،
بلفظة: (آخرتكم)؛ وأخرجه غيرهم، فتجده
مثلاً في (فوائد تمام) (3/83/1082).
* وجاء في «مسندِ الإمام
أحمد بن حنبل»، (ج5/ص298/ح22599)، بإسناد صحيح كذلك: [حدثنا يزيد بن هارون
أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال: كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ إِنْ لاَ
تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا»، وَانْطَلَقَ سَرَعَانُ النَّاسِ
يُرِيدُونَ الْمَاءَ، وَلَزِمْتُ رَسُولَ اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم، فَمَالَتْ
بِرَسُولِ اللهِ، صلّى الله عليه وسلّم، رَاحِلَتُهُ، فَنَعَسَ رَسُولُ اللهِ، صلّى
الله عليه وسلّم، فَدَعَمْتُهُ فَأَدْعَمَ، ثُمَّ مَالَ فَدَعَمْتُهُ فَأَدْعَمَ،
ثُمَّ مَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْجَفِلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَدَعَمْتُهُ
فَانْتَبَهُ، فَقَالَ: «مَنِ الرَّجُلُ؟» قُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ: «مُذْ
كَمْ كَانَ مَسِيرُكَ؟» قُلْتُ: مُنْذُ اللَّيْلَةِ، قَالَ: «حَفِظَكَ اللهُ كَمَا
حَفِظْتَ رَسُولَهُ»، ثُمَّ قَالَ: «لَوْ عَرَّسْنَا»، فَمَالَ إِلَى شَجَرَةٍ
فَنَزَلَ، فَقَالَ: «انْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟» قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانِ
رَاكِبَانِ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةً، فَقَالَ: «احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلاَتَنَا»،
فَنِمْنَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ، فَانْتَبَهْنَا، فَرَكِبَ
رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، فَسَارَ وَسِرْنَا هُنَيْهَةً، ثُمَّ نَزَلَ،
فَقَالَ: «أَمَعَكُمْ مَاءٌ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ مَعِي مِيضَأَةٌ فِيهَا
شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: «ائْتِ بِهَا»، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: «مَسُّوا
مِنْهَا، مَسُّوا مِنْهَا»، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ وَبَقِيَتْ جَرْعَةٌ، فَقَالَ: «ازْدَهِرْ
بِهَا يَا أَبَا قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ»، ثُمَّ أَذَّنَ
بِلاَلٌ، وَصَلَّوُا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّوُا الْفَجْرَ،
ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: فَرَّطْنَا فِي
صَلاَتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم: (مَا تَقُولُونَ؟
إِنْ كَانَ أَمْرَ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ، وَإِنْ كَانَ أَمْرَ دِينِكُمْ
فَإِلَيَّ)، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَرَّطْنَا فِي صَلاَتِنَا،
فَقَالَ: (لاَ تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي
الْيَقَظَةِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوهَا، وَمِنَ الْغَدِ وَقْتَهَا)،
ثُمَّ قَالَ: «ظُنُّوا بِالْقَوْمِ»، قَالُوا: إِنَّكَ قُلْتَ بِالأَمْسِ: إِنْ
لاَ تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا، فَالنَّاسُ بِالْمَاءِ، فَقَالَ: «أَصْبَحَ
النَّاسُ وَقَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ»، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ
رَسُولَ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، بِالْمَاءِ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ، فَقَال: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى الله عليه وسلم،
لَمْ يَكُنْ لِيَسْبِقَكُمْ إِلَى الْمَاءِ وَيُخَلِّفَكُمْ، وَإِنْ يُطِعِ
النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا، قَالَهَا ثَلاَثًا، فَلَمَّا
اشْتَدَّتِ الظَّهِيرَةُ رَفَعَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكْنَا عَطَشًا، تَقَطَّعَتِ الأَعْنَاقُ،
فَقَالَ: «لاَ هُلْكَ عَلَيْكُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا قَتَادَةَ، ائْتِ
بِالْمِيضَأَةِ»، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: «احْلِلْ لِي غُمَرِي»، يَعْنِي
قَدَحَهُ، فَحَلَلْتُهُ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَجَعَلَ يَصُبُّ فِيهِ وَيَسْقِى
النَّاسَ، فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه
وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَحْسِنُوا الْمَلأَ، فَكُلُّكُمْ سَيَصْدُرُ عَنْ
رِيٍّ»، فَشَرِبَ الْقَوْمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللهِ،
صلى الله عليه وسلم، فَصَبَّ لِي، فَقَالَ: «اشْرَبْ يَا أَبَا قَتَادَةَ»، قَالَ:
قُلْتُ: اشْرَبْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِنَّ سَاقِي الْقَوْمِ
آخِرُهُمْ»، فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ بَعْدِي، وَبَقِيَ فِي الْمِيضَأَةِ نَحْوٌ
مِمَّا كَانَ فِيهَا، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَلاَثُمِئَةٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَسَمِعَنِي عِمْرَانُ بْنُ حَصِينٍ وَأَنَا
أُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟
قُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: الْقَوْمُ
أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِمْ، انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ، فَإِنِّي أَحَدُ السَّبْعَةِ
تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ أَحَدًا
يَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرِي.
قَالَ حَمَّادٌ: وَحدَّثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم،..، بِمِثْلِهِ، وَزَادَ قَالَ:
(كَانَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، إِذَا عَرَّسَ وَعَلَيْهِ لَيْلٌ
تَوَسَّدَ يَمِينَهُ، وَإِذَا عَرَّسَ الصُّبْحَ، وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ
الْيُمْنَى، وَأَقَامَ سَاعِده)].
- وقال عبد الله بن أحمد بن
حنبل، (ج5/ص299/ح22600): [حدثنا
إبراهيم بن الحجاج، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح عن أبي
قتادة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، بمثله].
- وقال عبد الله بن الإمام
أحمد بن حنبل، (ج5/ص300/ح22601): [حدثنا إبراهيم (هو إبراهيم بن الحجاج
السّلمي)، حدثنا حمّاد: حدثنا حميد، عن بكر بن عبد الله، عن عبد الله بن رباح عن
أبي قتادة عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، بمثله].
وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط:
(إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات، رجال الشيخين غير حماد بن سلمة)، قلت:
حماد بن سلمة بن دينار ثقة مأمون، من أئمة المسلمين، وقد عابوا على الإمام البخاري
– بحقّ - أنه لم يخرّج له، وأخرج لكثيرين ممن هم دونه في المرتبة بمراحل؛ وكذلك لم
يخرّج البخاري شيئاً لعبد الله بن رباح، وهو ثقة إجماعاً؛ فهذه كلها أسانيد غاية
في الصحّة، تقوم بها الحجّة القاطعة.
وإليك معانى بعض الكلمات
الغريبة التي وردت في الحديث: - ابْهَارَّ: انتصف؛ يَنْجَفِلُ: ينقلب ويسقط؛ دعم:
أسند وأقام ميله من النوم؛ الرّواء: رووا من الماء؛ غُمَرِي: الغُمر: هو الوعاء أو
القدح الصغير؛ الملأ: الخُلُق والعِشرة: تَهَوَّرَ الليل: ذهب أكثره؛ عَرَّسنا: من
التَّعْريس، وهو نزول المسافر آخر الليل؛ مِيضَأة، بكسر الميم، وبعد الضّاد همزةٌ،
يمد ويقصر: هي الإناء الذي يُتوضَّأُ به؛ ازْدَهِرْ بها، أي: احتفظ بها، واجعلها
في بالِك، والدال فيه منقلبة عن تاء الافتعال؛ ظُنُّوا القوم: أمر من الظن، أي:
خَمِّنُوا في حالهم.
* وأخرجه مسلم في صحيحه (ج1/ص472/ح681) بإسناد في غاية الصّحّة، من
غير طريق حماد بن سلمة: [وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ الْمُغِيرَةِ - حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِى قَتَادَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صلّى
الله عليه وسلّم، فَقَالَ «إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ
وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا». فَانْطَلَقَ النَّاسُ لاَ
يَلْوِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ]؛ فساق الحديث بنحوه، إلا أنه لم يأت بجملة: (إِنْ
كَانَ أَمْرَ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ، وَإِنْ كَانَ أَمْرَ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ)،
أو ما يقوم مقامها. وهو بعينه عند ابن الجعد في مسنده (ج1/ص451/ح3075).
وللحديث، مطولاً ومختصراً، متابعات وشواهد كثيرة، من طرق صحاح وحسان.
أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه»،
(ج1/ص214/ح410)، باختصار يسير؛ وأخرجه أبو داود في سننه (ج1/ص119/ح437)؛ والطّحاوي
في شرح معاني الآثار (ج1/ص401/ح0)؛ والدارقطني في سننه، (ج1/ص386/ح13)، باختصار
شديد مقتصراً على قوله، صلى الله عليه وسلم: «إن
كان أمر دنياكم فشأنكم وإن كان أمر دينكم فإلي»؛ فقلنا: (يا رسول الله فرطنا في صلاتنا!)، فقال: «لا تفريط في
النوم، إنما التفريط في اليقظة، فإذا كان ذلك فصلّوها، ومن الغد لوقتها». وقد
ذكرنا هذا الحديث الجليل الجميل، وكل حديث رسول الله جليل جميل، بطوله لما فيه من
الحِكَم، والأحكام، ودلائل النّبوّة المحمّدية الباهرة.
* وأخرج الإمام مسلم في صحيحه
(ج4/ص1836/ح2362): [حدّثنا عبد الله بن الرومي اليمامي وعبّاس بن عبد العظيم
العنبري وأحمد بن جعفر المعقري قالوا: حدثنا النّضر بن محمّد، حدّثنا عكرمة وهو بن
عمّار، حدّثنا أبو النّجاشي، حدثني رافع بن خديج قال: قدم نبيّ الله، صلّى الله
عليه وسلّم، المدينة وهم يُؤَبرون النخل (يقولون يلقحون النخل)، فقال: (ما
تصنعون؟!)، قالوا: (كنا نصنعه)، قال: (لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً!)، فتركوه
فنفضت أو فنقصت، قال فذكروا ذلك له فقال: (إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من
رأيي فإنّما أنا بشر)، قال عكرمة: أو نحو هذا؛ قال المعقري: (فنفضت) ولم يشك]؛ وأخرجه ابن حبان
في صحيحه (ج1/ص202/ح23)، بلفظ: (إنما أنا بشر إذا حدّثتكم بشيء من أمر دينكم فخذوا به وإذا حدّثتكم بشيء
من دنياكم فإنّما أنا بشر)؛ ثم عقَّب قائلاً: (أبو النجاشي مولى رافع اسمه عطاء بن صهيب). وهو عند
الطّبراني في معجمه الكبير (ج4/ص281/ح4424) بمثل لفظ ابن حبّان. وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: (إسناده حسن)، والحديث صحيح، قطعاً ولا
ريب، تقوم به الحجة القاطعة، كما سنحرّره في الملحق، إن شاء الله تعالى!
* كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه
(ج4/ص1835/ح2361): [حدثنا قتيبة بن سعيد الثّقفي وأبو كامل الجحدري (وتقاربا في
اللفظ، وهذا حديث قتيبة) قالا: حدثنا أبو عوانة عن سماك عن موسى بن طلحة عن أبيه
قال: مررت مع رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بقوم على رؤوس النّخل فقال: (ما
يصنع هؤلاء؟!)، فقالوا: (يلقحونه: يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح)، فقال رسول الله،
صلّى الله عليه وسلّم: (ما أظنّ يغني ذلك شيئا!)، قال: (فأخبروا بذلك فتركوه) فأخبر رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، بذلك فقال: (إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه؛ فإني إنما ظننت ظنًّا فلا تؤاخذوني
بالظّن، ولكن إذا حدّثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإنّي لن اكذب على الله عزّ
وجل)]؛ وهذا حديث صحيح، كما هو مفصّل في الملحق.
وهو عند الإمام أحمد بن حنبل في مسنده
(ج1/ص162/ح1395)؛ والطيالسي في مسنده (ج1/ص31/ح230)؛ وابن أبي عاصم عمرو الشيباني
في الآحاد والمثاني (ج1/ص166/ح207)؛ وأبو يعلى في مسنده (ج2/ص13/ح639). وأخرجه
الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (ج1/ص163/ح1399)، بلفظ: (إنّما هو ظنٌّ
ظننتُه: إن كان يُغنى شيئا فاصنعوا، فإنّما أنا بشر مثلكم، والظنّ يخطئ ويصيب،
ولكن ما قلت لكم: {قال الله عزّ وجلّ} فلن أكذب على الله)؛ وهو بنحو هذا عند ابن ماجه في سننه (ج2/ص825/ح2470)؛ والطّحاوي في شرح معاني الآثار (ج3/ص48/ح0).
وقد زادنا طلحة بن عبيد الله، رضي الله عنه، هنا فائدة جميلة في غاية
الأهمّية: ألا وهي أن النّبي، صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، المعصوم بعصمة الله،
إنّما استخدم صيغة الظّن في كلامه، فلم يكن عند أولئك الذين تركوا ما يعلمون بيقين
لظنّ مجرّد من عذر، لأن اليقين لا يزول بالظّن، حتى ولو كان ظنًّا
من رسول الله الخاتم، لأن الوحي إنّما يأتي بالعلم اليقيني والحقّ الثّابت من عند
الله، فإذا تلفّظ النّبي، صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، بما يفيد أنه يظنّ
شيئاً، فهذا قطعاً من عند نفسه، بموجب الطبّيعة البشريّة، فلا يكون حجّة، لأن الظّن
لا يغني من الحقِّ شيئاً، لأنّه يخطئ ويصيب، بخلاف الحقّ، الذي هو صوابٌ أبداً.
* وجاء عن جابر بن عبد الله حديث يصلح
للاستئناس في موضوعنا هذا، على ضعف روايته، أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط
(ج1/ص307/ح1030): [حدّثنا أحمد قال: حدّثنا عياش بن الوليد الرقام قال: حدّثنا محمّد
بن نفيل قال: حدّثنا مجالد بن سعيد عن الشّعبي عن جابر قال: أبصر رسول الله الناس
يلقحون النخل فقال: ما للناس؟ قال: يلقحون يا رسول الله، قال: لا لقاح (أو) ما أرى
اللقاح بشيء، قال: فتركوا اللّقاح فجاء تمر الناس شيصا، فقال رسول الله: (ما أنا بزرّاع،
ولا صاحب نخل، لَقِّحُوا!)]
والأحاديث الصحاح أعلاه فيها شهادة ستّة من الصّحابة، رضوان الله
وسلامه عليهم، هم: عائشة، وأنس، ورافع بن خديج، وأبي قتادة، وعمران بن حصين، وطلحة
بن عبيد الله، جاءت من أربع طرق صحاح، مستقلّة كل الاستقلال، في واقعتين
متباينتين، إن لم تكن وقائع متباينة، بينهما زمن طويل، يحيل العقل تواطؤ الرواة
على اختراعها، أو الكذب، أو الوهم فيها، وتقوم بها الحجّة اليقينيّة القاطعة، على
أنه، صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليه وعلى آله، قال: «إذا كان شيئا من أمر دنياكم فشأنكم به، وإذا كان شيئا من أمر دينكم
فإلي»، أو «أنتم أعلم بما يصلحكم في
دنياكم، وأما آخرتكم فإليّ» أو: «إنّما
أنا بشر: إذا حدّثتكم بشيء من أمر دينكم فخذوا به، وإذا حدّثتكم بشيء من دنياكم،
فإنّما أنا بشر!».
أما الرواية التي تقول: «إذا كان شيئا من أمر دنياكم فأنتم أعلم به»، فيشبه أن تكون رواية بالمعنى للحديث الأول، لأن أكثر الطّرق
وأقواها للحديث الأول جاءت باللّفظ الأوّل، وهو مطابق للفظ الحديث الثاني، وليس
الحديث الثالث عنهما ببعيد، لأنّ قوله: «وإذا
حدّثتكم بشيء من دنياكم، فإنما أنا بشر!»، هكذا بالشرط: «وإذا حدّثتكم بشيء من دنياكم»، بدون جواب لهذا الشرط، وهو محذوف
تقديره ضرورة: «فإنّما أنا بشر مثلكم، لست
أكثر علماً به منكم، فلا أتدخّل فيه، ولا أتكلّم عنه: فشأنكم به!»، أو نحو
ذلك، أو قريباً من ذلك.
وقد بالغ بعض الرواة في رواية الحديث بالمعنى واختصاره، كما وقع في
رواية مسلم: «أنتم أعلم بأمر دنياكم»، فذهب
كثير من المعاني والأحكام المتضمّنة في اللّفظ الكامل الصّحيح، ولعل في ذلك عبرة
وزجراً عن رواية الأحاديث بالمعنى، وتأكيد على ضرورة الالتزام الصارم باللّفظ النّبوي
الشّريف المعصوم وأنّ ذلك يقتضي تتبّع الطّرق وتقصّي الرّوايات!
قوله، عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام: «إذا كان شيئا من أمر دنياكم فشأنكم به، وإذا كان شيئا من أمر دينكم فإليَّ»
أحال كل شؤون «الدّنيا» إلى الناس، وجعلها شأناً من شؤونهم: دراسة،
واطلاعاً، وتجريباً، وتطبيقاً؛ أيْ من ناحية العلم النّظري المكتسب، بما فطر الله
النّاس عليه من الحسّ والتّجربة والعقل، ومن التّطبيق العملي في المهارات، والحرف
والمهن والصّناعات، والإجراءات والوسائل والأساليب: كلّ ذلك مباح للنّاس، حلال لهم، يفعلون ما شاؤوا منه، متى شاءوا،
بالكيفية التّي يشاءون. وهو، عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام، لم يبعث
زارعاً ولا طبيباً، ولا صانعاَ أو مهندساً، وليس هو من أهل الحرف، إلا أنّه رعى
الغنم على قراريط لأهل مكّة في صغره، ثم أعال أهله ببعض التّجارة، لا غير.
ولزيادة الإيضاح نتأمّل مثال (تلقيح النّخل): فالبحث
هنا في علاقة التّلقيح بصلاح الثّمرة ووفرة المحصول، هذا كلّه وما هو من نوعه من
شؤون «الدّنيا»، وليس البحث في عمليّة
التّلقيح من ناحية الحكم «الشّرعي»،
هل هي: واجبة أو مستحبّة أو مباحة أو مكروهة أو محرّمة؟ أو الحكم «الأخلاقي»: هل هو حسن أو قبيح، فهذه كلها
من «الدّين»، وكذلك كون التّلقيح
شرطاً أو مانعاً من وجوب الزّكاة في التّمر، هذا ونحوه من شؤون «الدّين».
والكلام هنا عن «الدّنيا»
في مقابلة «الدّين»، وليس عن «الدّنيا» أي هذه الدّار التي فيها الحياة
الأولى، في مقابلة «الآخرة»، أيْ دار
الحياة الثانية الأخيرة، فهذا موضوع آخر، يختلف عن هذا تماماَ، ولا علاقة له به،
لأن الدّين والتّديّن يكون كلّه في هذه الدّار، ثم يترتّب عليه ضرورة حساب وجزاء
في الدّارين: الأولى والآخرة!
والمقصود بـ«الدّنيا» هنا
في مقابلة «الدّين»: العالم
المحسوس، كما هو في ذاته وصفاته، من حيث هو موجود له صفات وخواصّ معيّنة،
ولمركبّاته وأعيانه علاقات تنظّمها قوانين معيّنة، وما فيه من أعيان وصفات وقوى
وخواصّ، وما يتعلّق بذلك كلّه من علوم ومعارف، وما يترتّب على ذلك من مهارات
إنسانيّة، وحرف ومهن وصناعات، وما ينشأ من ذلك كلّه من مصنوعات أو خدمات.
هذا هو تعريف «الدّنيا»
الصّحيح المنضبط، كما هو ظاهر من النّظرة الفاحصة المدقّقة لواقع النّخل،
وانقسامها إلى ذكر وأنثى، والحاجة إلى تلقيح الأنثى من الذّكر، وقيام النّاس بذلك
بطريقة منظّمة لضمان التّلقيح الصّحيح الكامل، وجودة الإنتاج، وارتفاع كميّته، فلا
يعتمدون فيها على الرّياح والحشرات التي تفعل ذلك في الحالة الفطريّة الأصلية.
أما «الدّين» فهو الطريقة
المعيّنة للعيش، أي نظام الحياة، أي الشّريعة العامّة
المتّبعة، حقاًّ كان ذلك أو باطلاً؛ أي الدّنيا أو العالم، كما
ينبغي أن يكون، وليس هو فقط مجرّد مجموعة العقائد الغيبيّة، والشّعائر
التعبّديّة، والأخلاق والآداب الجميلة، كما هو المفهوم الغربي الكافر للدّين، الذي
يسمّونه عندهم، على سبيل المثال، بالإنجليزية: (religion)، بل هو يشمل تنظيم كافّة
العلاقات، كما أسلفنا أعلاه.
فأمّا لغةً فلفظة (الدّين) مصدر، والفعل هو: دان يَدين
دِيناً ودِيَانة. وهو اسم لكل ما يعبد به الله، والملّة، والسيرة، والعادة، والشّأن،
والحساب، والمُلك، والسلطان، والحكم، والقضاء، والتدبير؛ و(دان): أي خضع وذلّ
وأطاع؛ و(دان بكذا): أي اتّخذه ديناً، وتعبّد به؛ و(دان فلانٌ فلاناً): أي حاسبه
وجازاه، أو دبّر أمره وساسه.
* جاء في «النِّهاية في غريب
الأثر»، (ج2، ص148/رقم1216): [(دين): في أسماء الله تعالى (الدَّيَّان) قيل هو القهَّارُ، وقيل هو
الحاكُم والقاضي، وهو فَعَّالٌ من دانَ النّاسَ أي قَهَرَهم على الطّاعةِ، يقال:
دِنْتُهم فدانوا أي قَهَرتُهم فأطاعُوا. ومنه شِعْر الأعشى الحِرْمازي يُخاطبُ
النبيَّ، صلّى الله عليه وسلّم: يا سَيِّدَ النّاسِ ودَيَّانَ العَرَبْ.
ومنه الحديث: «كان عليٌّ دَيَّان هذه الأمةِ»، ومنه حديث أبي طالب
قال له، صلّى الله عليه وسلّم: «أريدُ من قُرَيْشٍ كلمةً تَدينُ لهم بها العربُ»،
أي: تُطِيعُهم وتَخْضَع لهم.
ومنه الحديث: «الكَيِّسُ من دانَ نفْسَه، وعَمِل لِماَ بعد المَوتِ»،
أي: (أذَلَّها واستْعَبَدَها)، وقيل: (حاسَبَها)]، انتهى. قلت: الصحيح أن (الدَّيَّان) هو الحاكُم والقاضي.
* وجاء فيه، أي في «النِّهاية
في غريب الأثر»، أيضاً: [قال الخَطَّابي: (قد أجْمَعَ عُلماءُ المسلمين على أنّ
الخَوارِجَ على ضَلالَتِهم فرقةٌ من فِرق المُسلمين وأجازُوا مُناَكَحَتهم وأكْلَ ذَبَائحهم
وقَبولَ شَهادَتهم، وسُئل عَنهُم علي بن أبي طالب فقيل: أكُفَّارُ هُم؟! قال: منَ
الكُفْر فَرُّوا؛ قيل: أفَمُنَافِقُونَ هُمْ؟ قال: إنَّ المُنَافِقينَ لا
يذكُرُونَ الله إلا قليلاً وهؤُلاء يذكُرون الله بُكْرَةً وأصِيلاً؛ فقيل: ما هُمْ؟
قال: قومٌ اصابَتْهُم فِتنَةٌ فَعُموا وصَمُّوا). قال الخطَّابي: (فمْعنى قوله، صلّى
الله عليه وسلّم، يَمرُقُون من الدِّينِ... أرادَ بالدِّين الطَّاعةَ أي أنهم
يَخْرجون من طَاعَةِ الإمَام المُفْتَرَضِ الطاَّعَة ويَنْسَلِخُون منها، والله
أعلم). وفي حديث سَلمانَ: «إن الله لَيَدينُ للجَمَّاء من ذَاتِ القَرْنِ»، أي
يَقْتَصُّ ويَجْزي والدِّينُ الجَزَاءُ]، انتهى.
وكون لفظة «الدّين» تعني
شرعاً: الطريقة المعيّنة للعيش، أي نظام الحياة، أي الشّريعة العامّة المتّبعة،
وليس فقط مجموعة العقائد الغيبيّة، والشّعائر التّعبديّة، والأخلاق والآداب
الجميلة، فذلك لما لا يعدّ ولا يحصى من الأدلّة اليقينيّة، المعلومة من الدّين
بالضّرورة، ومنها التالية، على سبيل المثال والتقريب من الأذهان فقط، وإلاّ فالحصر
متعذّر:
* أن النّبي، عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام، بعد واقعة التّأبير في
أول العهد المدني، قد نصّ على اختصاص نفسه الشّريفة بشؤون الدّين، وأحال شؤون الدّنيا
كلّها إلى النّاس، وأكّد ذلك مرّة أخرى فيما بعد. وقد ثبت بالتّواتر، وعلم بالضّرورة
من التّاريخ، كما هو معترف به من كلّ مسلم وكافر، أنّه أمر ونهى وأخبر وتدخّل فيما
لا يحصى من أمور المعاملات، والعقوبات، والأحكام السلطانيّة، والعلاقات الدّوليّة،
والحرب والسّلم، والأمن والخوف، وغير ذلك ممّا يخرج، يقيناً، ويزيد كثيراً، عن
نطاق العقائد الغيبيّة، والشّعائر التعبّديّة، والأخلاق والآداب الجميلة، فظهر
بذلك قطعاً أنها من «الدّين».
* فرض تعالى عقوبة الجلد للزّناة، وأوجب شهادة طائفة من المؤمنين للتّنفيذ،
ثم عقّب قائلاً: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ
مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ
اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ
عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}، (النّور؛ 24: 2)، وهو نصّ قاطع
على أنّ تحريم الزّنا، والعقوبة الدّنيويّة عليه بحدّ ثابت لا يقبل العفو، ولا
يجوز التّساهل فيه من باب الرّأفة والرّحمة، ونصاب الشّهادة عليه، وحضور طائفة للتّنفيذ،
كلّ ذلك من «الدّين»، دين الله.
* المكيدة التي دبّرها، سبحانه وتعالى، ليوسف لتمكينه من احتجاز
أخيه، وذلك بتطبيق عقوبة السّرقة المنصوص عليها في شريعة يعقوب، ألا وهي استرقاق
السّارق، بدلاً من العقوبة المنصوص عليها في شريعة الملك، ثم عقّب، جلّ وعزّ: {فَبَدَأَ
بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ
كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ
إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي
عِلْمٍ عَلِيمٌ}، (يوسف؛ 12: 76)، ومعلوم ضرورة أنّ الكلام هنا ليس في العقائد
الغيبيّة، والشّعائر التعبّدية، ولا هو في الأخلاق والآداب الجميلة، وإنما هو في
جريمة السّرقة وعقوبتها، وفق شريعة يعقوب، أم وفق شريعة الملك، التّي هي «دين» الملك، بنصّ القرآن، أي شريعته
ونظامه، وليس معتقده الغيبي، ولا شعائره التعبّدية، أو آدابه وأخلاقه التي يرى
حسنها أو قبحها، إذ أنّ الكلام ليس في هذا، ولا علاقة له بهذا.
* جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل بإسناد صحيح (ج5/ص251/ح22214(: [حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ
بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ
الْبَاهِلِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلّى الله عليه وسلّم، قَالَ «لَيُنْقَضَنَّ
عُرَى الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ
النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا؛ وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً الْحُكْمُ
وَآخِرُهُنَّ الصَّلاَةُ»]؛ وأخرجه ابن حبّان في صحيحه (ج15/ص111/ح6715)،
وقال الشّيخ شعيب الأرناؤوط: (إسناده قويّ)، وهو كما قال، إسناد قويّ صحيح تقوم به
الحجّة. وهو بنحوه في «المستدرك على الصّحيحين»،
(ج4/ص104/ح7022)، وعقَّب الإمام الحاكم قائلاً: (والإسناد كله صحيح ولم يخرجّاه).
وقد أخرجه الإمام الطبراني في كلٍّ من «المعجم
الكبير»، (ج8/ص98/ح7486)، و«مسند الشّاميين»،
(ج2/ص411/ح1602)؛ وهو في «شعب الإيمان» للبيهقي (11/261/5045)،
و(16/72/7265)؛ وفي «معرفة الصّحابة» لأبي نعيم الأصبهاني (11/47/3427)؛
وغيرها.
فهذا نصّ صريح على أنّ (الحكم)
من الإسلام، أي من (الدّين)، كـ(الصّلاة) تماماً، سواءً بسواء.
ومادّة (ح ك م)، كما
سيأتي بيانه مفصّلاً عند الكلام عن الحاكمية، يستخدمه القرآن في المعاني التّالية:
(1) وضع الأمور في
مواضعها، وهي (الحِكْمة)، وفاعل ذلك (حكيم).
(2) لفظة (أَحْكَم) بمعنى إتقان الصّنعة، وبلوغ الفعل إلى غايته، وهو (الإحكام)، وفاعل ذلك (مُحْكِم)، بمعنى مُتْقِن.
(2) لفظة (أَحْكَم) بمعنى إتقان الصّنعة، وبلوغ الفعل إلى غايته، وهو (الإحكام)، وفاعل ذلك (مُحْكِم)، بمعنى مُتْقِن.
(3) الحكم على
أفعال النّاس يوم القيامة، وتصفية نزاعاتهم بصفة نهائيّة أبديّة. وهذا إنما هو لله
وحده، والآيات في ذلك كثيرة مشهورة.
(4) الفتيا وإبداء
الرأي الذي يعتقد قائله صحّته، أي الحكم على القضايا الدينيّة والحسية والعقلية
والجمالية والأخلاقية، وغيرها. فنحن (نحكم)
ببطلان التّناسخ، وبطلان التّثليث، وقُبْحُ الكذِب عقلاً، وحرمته شرعاً، إلا في
أحوال قليلة منصوص عليها،... إلخ. ومنه قوله، جلّ وعلا: { أَفَنَجْعَلُ
الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ؟!(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ؟!(36)}
(القلم؛ 68: 35-36).
(5) فضّ النّزاع،
والفصل في الخصومات، على وجه الإلزام. أي القضاء، وهو إحدى سلطات الدّولة الرّئيسية
(السّلطة التّشريعيّة، والسلطة التّنفيذيّة، والسّلطة القضائيّة). ويُسمّى القاضي
أيضاً (حاكماً)، وما يتلفظ به: (حُكْماً).
(6) رعاية الشؤون والإدارة
والتنفيذ، أي السّلطة التّنفيذيّة في الدّولة، ويسمّى القائم بذلك: (حاكماً)، كما قد يُسمّى (والياً)، أو (وليّ أمر)، أو (سلطاناً)،
أو حتى (ملكاً). وقد شاع في العصور
المتأخرّة استخدام لفظ (حكومة) لِقِمَّةِ
السّلطة التّنفيذيّة، أي لمجلس الوزراء، وكذلك بمعنى جهاز الحكم في الدّولة.
(7) التّشريع، وسنُّ
الدّساتير والقوانين والأنظمة واللّوائح، أي ما تقوم به السّلطة التّشريعيّة في
الدّولة، بل ويندرج تحت هذا حتّى وضع مبادئ الأخلاق والسلوك والآداب، والأعراف
الاجتماعيّة، لأنه في حقيقته تشريع، وتحديد للقيم. وإن كانت السّلطات الدّنيويّة
في الدّول والحكومات لا تمارس هذا عادة، وإنما قد يمارسه الناس بمجموعهم بوصفهم
مجتمعاً، أي جماعة تقوم بين أفرادها علاقات دائميّة.
والمعاني الأربعة الأخيرة، وهي: الفتيا في الأمور الشرعيّة، والقضاء،
والتّنفيذ، والتّشريع، هي التي يجب حمل النّصوص الشّرعية عليها كلها، إلا إذا وردت
قرينةٌ مخصِّصة.
وقد تستخدم لفظة (الدّين) أضيق من ذلك لتعني فقط الحكم
والقضاء:
* كما جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود في مصنف عبد الرزّاق
(8/147/14664) بإسناد جيّد: [أخبرنا عبد الرزّاق عن عاصم عن زرّ بن حبيش قال: قال
ابن مسعود: السّحت: الرّشوة في (الدّين)؛ قال سفيان: يعني في (الحكم)]
* وهو أيضاً في أخبار القضاة (1/38 وما بعدها): [أَخْبَرَنِي إسحاق
بْن حسن؛ قال: حَدَّثَنَا أَبُو حذيفة؛ قال: حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَن عاصم، عَن
زرّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: (السُّحْت): الرشا في (الدين)]
فهذا الذي أسلفناه هو المعنى الشّرعي الأول، والأهمّ، للفظة «الدّين»: الذي هو الطّريقة المعينة
للعيش، أي نظام الحياة، أي الشّريعة العامّة المتّبعة، شاملاً الحكم والقضاء بالضّرورة.
فالإسلام دين، وهو الدّين الحقّ الذي لا يقبل الله في الآخرة سواه، و«العلمانيّة»، أو بلفظ أدقّ: «الدنيويّة»، دين، وهي دين باطل،
وكذلك الديموقراطيّة الليبراليّة الغربيّة، دين آخر من أديان الباطل والكفر،
والاشتراكيّة الماديّة دين ثالث من أديان الكفر والضّلالة.
أما المعنى الثّاني الذي استخدمت فيه لفظة «الدّين» شرعاً، وهو كذلك لغةً، فهو: الحساب والجزاء، كما هو في قوله
تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، أي يوم الحساب والجزاء، وقوله تعالى حكاية لكلام الكفار: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا
لَمَدِينُونَ؟!}، (الصافات؛ 37: 53)، أي أئنّا
لمحاسبون مجزيّون؟!
واختصاص الوحي بـ «الدّين»،
لا يعني بحال من الأحوال أن الوحي لا يأتي في شيء من شؤون الدّنيا قطّ، بل هو قد
يأتي في البعض، أو الكثير منها، فـ{اللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، (الرعد؛ 13:
41)؛ وهو {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى
عَمَّا يُشْرِكُونَ}، (القصص؛
28 : 68)؛ وهو: {فَعَّالٌ لِّمَا
يُرِيدُ}، (هود؛
11 : 107)، (البروج؛ 85 : 16)؛ وهو {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، (الأنبياء؛
21 : 23): فقد علَّمَ نوحاً، بالوحي، صناعة السفينة، وهو أمر «دنيويّ» محض، وعلّم داود صناعة الدّروع
وألبسة الحرب، وعلّم سليمان منطق الطّير، ونفراً من الأنبياء بعض الطّب
والمعالجات، وكل ذلك من شؤون الدّنيا يقيناً، جاء بعضه على وجه العادة والمنّة
والنّعمة، والآخر على وجه المعجزة أو الكرامة لأنبيائه، والكرامة لأوليائه.
كما أخبر تعالى عن أشياء كثيرة من واقع هذا الكون المحسوس، فمن ذلك
تعليم وإرشاد، ومنه معجزات لأنبيائه، وبراهين على صدقهم وتبليغهم عنه، ومنه غير
ذلك. غير أن وظيفة «الوحي» الأساسيّة
تبقى شؤون «الدّين»، أي الإخبار عن
الله بمراده، وأمره ونهيه، وخبره عن نفسه المقدّسة، وغيبه، وعن اليوم الآخر.
فصل: الإسلام عقيدة ينبثق عنها نظام:
فالدّين الإسلامي إذاً: ليس فقط عقيدة روحيّة، يقوم عليها نظام
أخلاقيّ فحسب، وترتبط بها شعائر تعبديّة،
أي ليس (ديناً) بالمفهوم الغربي (religion)، ولكنه بالإضافة إلى ذلك «مبدأ»
أي: عقيدة ينبثق عنها نظام، وهو ما يسمَّى في الإنجليزية: (Ideology).
والعقيدة الإسلاميّة عقيدة عقليّة، لأنها تقوم على العقل، أي على مبدأ «العلة الكافية» الذي يلزم بإيجاد تفسير لوجود هذا الكون: لِمَ هو
موجود أصلاً؟! ولا يقبل أن يتحرّك خطوة إلى الأمام إلاّ بعد حسم هذه القضيّة
الأولى، التي هي عنده: أولى القضايا، وقضية القضايا، وسترى في هذا الكتاب، ولو
بشكل مجمل صدق مقولتنا: أن العقيدة الإسلاميّة عقيدة عقليّة، وأنها هي وحدها
العقيدة الصّحيحة.
والعقيدة الإسلاميّة كذلك عقيدة روحيّة لأنها تقوم:
أولاً: على التّصديق
الجازم، واليقين الرّاسخ، بوجود الله، تبارك وتعالي، وأنّ له هو فقط «الخلق والأمر»، أي أنه خلق الكون ولم
يعتزل أو يتقاعد، تعالى الله عن ذلك عُلوًّا كبيراً، ولكنّه يأمر وينهى، ويرسل الرّسل،
وينزّل الكتب، ويسنّ الشّرائع، {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا
كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، (القصص؛ 28 : 68)؛ وذلك خلافاً، وبالمناقضة التّامة، للمذاهب الماديّة
والإلحاديّة.
وثانياً: على وجوب
إدراك الصّلة بالله، ووجوب الإقرار بها ظاهراً وباطناً، وحتميّة التّسليم لموجبها
تسليماً تاماً مُطلَقاً بدون قيد أو شرط، وجعلها أساس جميع العلاقات، وكافة النّظم
والتّشريعات، وذلك خلافاً، وبالمناقضة التّامة، للمذاهب العلمانية، والدّنيوية،
واللّيبرالية، واللاّ-أدرية.
والعقيدة الإسلاميّة هي كذلك عقيدة سياسيّة، لأنّ نظامها يشمل كافّة تشريعات الحياة، بما في ذلك علاقات الحاكم
بالمحكوم، ورعاية الشّؤون العامّة، وعلاقة الأمّة والجماعة والدّولة بغيرها من
الأمم والجماعات والدّول في العالم.
وفي مقابل ذلك فإن «الاشتراكيّة
الماديّة»، «مبدأ»، أي عقيدة
ينبثق عنها نظام، فهي إذاً «دين»
بالمعنى الموضح أعلاه. والعقيدة الأساسيّة التي تقوم عليها الاشتراكيّة هي «الماديّة»، وخصوصاً «الماديّة الجدليّة». و«الماديّة»، بشتّى مذاهبها التفصيليّة،
ليست عقيدة عقليّة، وإن زعمت ذلك، لأنّها تقوم على «التّسليم» بأزليّة المادّة بخصائصها الأساسيّة، أي أن المادّة «واجبة الوجود»، «أزليّة»، «قديمة»، من غير
تقديم برهان على ذلك، إلا الادعاء المحض والزعم المجرد. وغاية ما لدى المادّيين هو
محاولة التّشكيك والطّعن في البراهين القاطعة المثبتة لوجود الله. وهذه العقيدة هي
بداهة عقيدة ماديّة، ومن المحال أن تكون عقيدة روحيّة، لأنّها تنكر وجود أي شيء
وراء المادّة، فهي من ثَمَّ تنكر من باب أولى وجود الله.
والعلمانيّة الليبراليّة الرأسماليّة هي الآن، بعد نضجها وتمام تطوّرها،
قد أصبحت أيضاً «مبدأ» أي عقيدة ينبثق
عنها نظام، فهي إذاً «دين» بالمعنى
الموضّح أعلاه. وعقيدتها الأساسيّة هي «الحلّ
الوسط»، الذي كان في الأصل حلاًّ وسطاً عمليًّا
لإنهاء الصّراع الرّهيب الذي دار بين رجال الدّين والكنيسة من جانب، والملوك
ورجالات الدّولة والمفكّرين من جانب آخر، ثمّ تمّ تطويره على أيدي الفلاسفة والمفكّرين
حتى أصبح «فكرة» تزعم أن «وجود
الله» ليس قضيّة برهانيّه. فالإنسان هو إذاً الذي يضع، بالضّرورة، نظامه
بنفسه لنفسه، ولا بدّ ضرورة من إطلاق جميع الحريّات حتى يتمكّن الإنسان من ذلك على
أحسن صورة.
فالعلمانية في أوّل نشأتها مجرّد «حل وسط»، أي مجموعة من الإجراءات والاتّفاقات لا تَرَابُط
بينها لحلّ مشكلة الصّراع، وليست هذه هي صفة المبدأ، وإنما أصبحت مبدأً بعد ذلك
بزمن طويل. والعقيدة العلمانيّة، حتى بعد تمام تطويرها، ليست عقيدة عقليّة، لأنه
من المحال أن يكون الله، جلّ جلاله، موجوداً ومعدوماً في آن واحد، ومن المحال أن تكون
هذه المسألة الأساسيّة ليست برهانيّه، والتهرّب من البرهان ليس برهاناً، والتّشكيك
في البرهان أيضاً ليس برهاناً. ولمّا كان وجود الله ليس مأخوذاً في الاعتبار ها
هنا، فمن المحال أن تكون العقيدة العلمانيّة عقيدة روحيّة.
لذلك فنحن نؤكد ها هنا مرة أخرى أهمية التّمييز بين:
(1) ما هو من «الدّين»: أي من «أمور الدّين»، أي الشّريعة العامّة، ومتعلّقاتها من «الحضارة» و«الثقافة»، و«المدنيّة الخاصة»،
فهذه لا يجوز أن يأخذها المسلم من غير المسلمين أصلاً، ولا يجوز أن تنبني إلا على
نصوص الوحي.
(2) وما هو من «الدّنيا»، أي من «أمور الدّنيا»، أي العالم المحسوس، وخواصّه وقوانينه، وما يتعلق به من
«مدنيّة عامّة»، من علوم وحِرَف ومِهَن
ومهارات، وكذلك وسائل وأساليب لتنظيم المباحات، كالنُّظم الإجرائيّة، واللّوائح
الإداريّة التّنظيميّة، فهذه يجوز تبنّيها، والاستفادة منها، من غير خوف أو حرج.
غير أن الهجمة الغربية الشّرسة على العالم الإسلامي في هذا العصر،
ووقوع أكثر بلاد المسلمين تحت الاستعمار الغربي الكافر المباشر، وبقائها جميعها
تحت الاستعمار الخفي، غير المباشر، حتى هذه اللّحظة، أحدث عند بعض المسلمين ردّة
فعل متشنّجة منعتهم من الاستفادة من عناصر المدنيّة العامّة، أو تعلّم العلوم
والمعارف الهندسيّة، أو اقتباس النّظم والإجراءات الإداريّة.
وردود الأفعال المتشنّجة هذه تنبي، في الغالب، عن «روح الهزيمة» التي تفرض على صاحبها مواقع
الدّفاع وردود الأفعال السلبيّة، بدلاً من عقليّة الهجوم وأخذ المبادرة والإقدام
على الفعاليّات البنّاءة الإيجابيّة.
هذا الشعور بالهزيمة، وعقليّة الحصار والـ«غيتو»، (Getto)، هو الّذي دفع بالكثير
من النّاشطين والقياديّين الإسلاميّين إلى مواقف متشنّجة، وأقوال شنيعة مخبولة، تشبه
أحياناً أقوال «المهووسين»، و«المُوَسوسين»، بل و«نزلاء مستشفيات الأمراض العقليّة» في بعض الأحيان؛ ودفع بالبعض الآخر
إلى العزلة والتّقوقع واليأس من الدّنيا والنّاس، والدّعاء بسرعة مجيء «المهديّ المنتظر»، (عجَّل الله فرجه!!).
ونحن نؤكّد ها هنا للجميع أنّ النّظر إلى أحوال الشّعوب الأخرى، والاستفادة
من تجاربها، واقتباس الجيّد الناضج من وسائلها وأساليبها ليس هو فقط مما يقتضيه
العقل السّليم: أن يستفيد الإنسان من الثّمرة المتاحة، والنّتائج الجاهزة، فيوجّه
جهده إلى الإبداع في الاختراع وفي إنشاء الجديد، بدلاً من إعادة اختراع ما اخترعه
الآخرون، واجترار تجاربهم، أي «إعادة
اختراع العجلة»، كما يقولون.
بل إنّه أيضاً ما جاءت به هذه الشّريعة المباركة الخاتمة التي نزلت
من عند ذي الجلالة الإلاهيّة، إلى محمّد خاتم أنبياء البشريّة:
* كما هو في «الموطّأ»،
(ج2/ص607/ح1269)، حيث أخرج الإمام مالك: [عن محمّد بن عبد الرّحمن بن نوفل أنّه
قال: أخبرني عروة ابن الزّبير عن عائشة أم المؤمنين عن جُدَامَة بنت وهب الأسديّة
أنّها أخبرتها أنّها سمعت رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ؛
حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلاَ يَضُرُّ
أَوْلاَدَهُمْ!»، قال مالك: «الْغِيلَةِ»
أن يمس الرجل امرأته وهي تُرضع]. هذا إسناد صحيح، بل هو غاية في الصّحة والجلالة.
والحديث صحيح ثابت، لا علّة فيه، وقد أخرجه الإمام مسلم، (ج2/ص1067/ح1442)، وأيضاً
من طرق صحاح كثيرة أخرى، وكذلك كلّ من الأئمة التّرمذي، والنّسائي، وأبو داود،
وأحمد من طرق كثيرة كعادته الحميدة، والدّارمي وغيرهم.
ونسارع فنقول: لسنا ها هنا بصدد مناقشة مستفيضة لـ«همّ الأنبياء»، هل هو معصوم موافق للحقّ،
أم أنّه يأتي وفق الطبّيعة البشريّة، فقد يكون همًّا بحقّ، وقد يكون همًّا بباطل،
وحينئذ يصرّف الله النّبي عن أي فعل أو قول أو إقرار يترتّب على هذا الهمّ الباطل.
لسنا بصدد المناقشة التّفصيلية لذلك، ونحيل إلى بحثنا المسمَّى: «همّ الأنبياء»، حيث أقمنا البرهان القاطع
على أن: (همّ الأنبياء ليس معصوماً)،
ومن ثمّ ليس بحجّة تشريعيّة، أي أنّه يأتي وفق الطبّيعة البشريّة، تماما كـ(الظّن)،
فقد يكون همًّا بحقّ، وقد يكون همًّا بباطل، فإذا كان بباطل صرف الله النبيّ عن أي
فعل أو قول أو إقرار يترتّب على هذا الهمّ الباطل. هذا الصّرف يكون
من الله بالكيفيّة الّتي يريدها الله، جلّ جلاله، وسمى مقامه: ذهاب الهمّ فقط وعدم
انعقاد الإرادة والعزيمة، أو وحي مانع من إنفاذ الهمّ، أو بإلهام حكم بديل، أو بما
شاء الله العزيز الحكيم.
وفي هذه الواقعة المذكورة أعلاه: عصم الله، جلّ جلاله، نبيَّه من
النّهي عن الغيلة، التي «همَّ»
بالنّهي عنها خشية الضّرر للولد، وصرف (همَّه) بإلهامه سنّة جديدة: النظر
في أحوال الشعوب الأخرى والاستفادة من تجربتها التي تفيد في هذه الجزئية أنّ
ممارسة شعوب بأكملها للغيلة من غير ظهور ضرر لأولادها بالرّغم من تطاول الأزمنة،
وتعاقب العصور.
ولما كان، عليه وعلى آله الصّلاة والسلام، إنما همّ
بالنّهي عن الغيلة حماية لصحّة الولد، ومنعاً للضّرر عن النّشأ، وهو
أمر يدرك بالحسّ والعقل مباشرة، جاز النّظر إلى تجارب الشّعوب، لا فرق بين مؤمن
وكافر، ووثنيّ وكتابيّ، ومن باب أولى يجوز النّظر إلى نتائج البحث العلميّ والطبّي
الموثوقة المؤكّدة لحسم المسألة، وهو ما ألهم الله نبيّه به، فللّه الحمد والمنّة،
لا إله إلا هو عليه نتوكّل، وبه نستعين.
ولم يكتف هو، عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام، بالنّظر، بل وجَّه
غيره إلى نفس الفعل، أي إلى النّظر في تجارب الأمم والشعوب، وإلى نتائج البحث
العلمي والطبّي الموثوقة المؤكّدة، كما جاء:
* في «صحيح مسلم»، (ج2/ص1068/ح1443): [حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ نُمَيْرٍ -
قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ،
حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عَامِرِ
بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَ وَالِده سَعْدَ بْنَ أَبِى
وَقَّاصٍ، أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلّى الله عليه وسلّم،
فَقَالَ: (إِنِّي أَعْزِلُ عَنِ امْرَأَتِي؟!). فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلّى
الله عليه وسلّم: «لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟». فَقَالَ الرَّجُلُ: (أُشْفِقُ
عَلَى وَلَدِهَا (أَوْ عَلَى أَوْلاَدِهَا)). فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلّى الله
عليه وسلّم: «لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ!».
وَقَالَ زُهَيْرٌ فِي رِوَايَتِهِ: «إِنْ كَانَ لِذَلِكَ فَلاَ: مَا ضَارَ
ذَلِكَ فَارِسَ وَلاَ الرُّومَ!»]؛ وهو أيضاً في «مسند الإمام أحمد»،(ج5/ص203/ح21818)؛ وأخرجه الإمام الطّبراني في «المعجم الأوسط»، (ج1/ص65/ح182)؛ وفي «سنن البيهقي الكبرى»، (ج7/ص465/ح15463)؛
وغيرها بأسانيدهم، وكلّها صحاح، بمثل حديث زهير بن حرب عند مسلم.
قلت: تأمَّل قوله، صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: «إِنْ كَانَ
لِذَلِكَ فَلاَ: مَا ضَارَ ذَلِكَ فَارِسَ وَلاَ الرُّومَ!» فهو متضمّن لما
قلناه آنفاً، إلاّ أنّه ها هنا في مقام تعليم السّائل، فثبت قولنا بلا شبهة،
والحمد لله رب العالمين.
* وهذا أيضاً ما كان عليه الخلفاء الراشدون المهديّون عليه، بمحضر من
الصّحابة وإجماعهم، حيث اقتبسوا كل الفنون العسكريّة التي كانت في عصرهم، وفنون
الريّ والصّرف في العراق، وكذلك اللّوائح والتّراتيب الإداريّة المتعلّقة بالوسائل
والأساليب. بل إنّهم لم يروا بأساً بإبقاء أكثر الدّواوين بغير اللّغة العربيّة،
وإنّما عرِّبت الدّواوين بكاملها في عهد الدّولة الأمويّة.
ونحن بهذه المناسبة ننصح أنفسنا وإخواننا الدّعاة إلى الله في هذا
العصر الأغبر، أن يتجاوزوا ردود الأفعال هذه لأنّها تدفع الإنسان من باطل إلى باطل
آخر، قد يكون شرًّا من الباطل الذي فررنا منه، وهذه هي مصيبة «الخوارج»: ردّ فعل على تساهل وتقصير،
أكثره يسير وقليل منه كبير، انقلب إلى غلوٍّ ومروق، كلّه كبير مهلك مدمّر، هو شرّ
من التّساهل والتّقصير بمراحل.
ومن أمثلة هذا التّشنّج المرضي، والغلوّ المقيت، ما قاله الشيخ عبد
القادر بن عبد العزيز في كتابه «الجامع في
طلب العلم الشّريف»، (الجزء الثاني، ص 778)، تحت عنوان (بدعة وضع الدّساتير): [فوضع الدّساتير - وكما ذكرنا في العجالة السّابقة
- من الثّمار الخبيثة للعلمانيّة التّي هي الجاهليّة المعاصرة، وقد وضع الكفّار
هذه الدّساتير لأنّهم ليس لهم دين صحيح أو شريعة مستقيمة يرجعون إليها، وقد ذاقوا
الويلات من شريعتهم المحرّفة التّي يبدّل فيها الأحبار والرّهبان كما يشاءون بناء
على قرارات المجامع الكنسيّة. فاصطلح الكفّار على وضع كتب تحقّق مصالحهم بحسب ما
تدركه عقول البشر القاصرة، وهي الدّساتير، وصاروا يحتكمون إليها كأنّها كتب سماويّة،...
إلخ]
قلت: هذا كلام مؤسف، ويزداد الأسف أن يصدر من طالب علم جيّد، لا يشكّ
في إخلاصه، ومنابذته لأئمّة الكفر ورؤوس الضّلالة، المتسلّطين على رقاب المسلمين
أو هكذا كان قبل (المراجعات) أو بالأحرى: (التراجعات)
المؤسفة مؤخراً.
لا سيما وأنّ «صحيفة المدينة»،
وقصة كتابتها بمجملها، ثابتة صحيحة، هي في الحقيقة «دستور» بكلّ معنى الدّستور، ولعلّه أوّلُ دستور مكتوب وُضع في العالم،
كما أشبعناه تأصيلاً وتفصيلاً في كتابنا: «طاعة
أولي الأمر: حدودها وقيودها». هذه الحقيقة الثابتة، إذا أُخذت مع مجموع الأدلّة
والمناقشة أعلاه، خليقة بأن تحدث علماً ضروريًّا بأنّ الوثائق الدّستورية سنّة
حميدة، وليست بدعة ذميمة، كما توهّم الشّيخ عبد القادر. ونحسب أن مقولته تلك جاءت
ردّ فعل للهجمة العلمانية الشّرسة، فانتقل الشّيخ من غلوٍّ إلى الغلوِّ المقابل: (ودين الله وسط بين الغالي فيه، والجافي عنه).
كما ندعوا الجميع، بهذه المناسبة، إلى مراجعة كافة مشاريع ومسودّات
الدّساتير الإسلاميّة التّي صدرت خلال القرن الفائت مراجعة تشريعيّة دقيقة، وتبنّي
الأقوى دليلاً والأدقّ صياغة من بنودها، ثمّ استكمال نواقصها، والخروج بمشروع منقّح
متين يصلح دستوراً وأساساً للدّولة الإسلامية، دولة الخلافة عند تأسيسها، قريباً
بإذن الله.
ولا بأس في هذا كلّه من الاستفادة من أساليب الصّياغة الفقهيّة
والقانونية الموجودة عند الشّعوب الأخرى، وبالأخصّ في الغرب، لأن ذلك الفنّ بلغ
عندهم شأناً عظيماً، في حين أن الفقه الإسلامي جَمُد ثمّ تدهور بعد عصوره الزّاهرة
فتوقَّفت الصّياغة الفقهيّة والقانونيّة عند الأحكام الجزئيّة، وبعض القواعد
الفقهيّة ودراسة الأشباه والنّظائر، ونحو ذلك، في حين أنّ الفقه الغربي تقدّم إلى
مرحلة النّظريّات الفقهيّة: نظريّة الحقّ، نظريّة العقود، نظريّة الالتزام،.. إلخ.
هذه الصّياغات كلّها من باب الوسائل والأساليب، ولا علاقة لها بمرجعيّة
التّشريع، أي لا علاقة لها بالسّؤال: لمن السيادة؟ أي من هو السيد، ومن هو المشرع،
ومن هو الحاكم؟ وإنما هو متعلق بالسؤال: كيف يصوغ الفقيه ما استنبط من أحكام؟ وما
هو الأسلوب الأمثل في التّحليل والتّركيب والتقعيد والتفريع والتبويب والترتيب؟
لذلك لا بأس من اقتباسه، بغضّ النّظر عن مصدره.
فصل: مــراتـب الـدّيـن (الإسلام، الإيمان، الإحسان):
وهذا التّرتيب أخرجه مسلم عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في حديث
جبريل الصّحيح المشهور الذي قال فيه النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: «هذا
جبريلُ جاء يعلّمُكم أمورَ دينِكم».
وحديث جبريل إنّما هو في الحقيقة شرحٌ لمكوّنات الإسلام ومركّباته،
ولمركّبات الإيمان وموضوعاته، والإحسان، أي تبيان لأركانها، وتوضيح لماهيتها، وليس
هو في الحقيقة ترتيب، أو تحديد للمراتب، أو الدّرجات.
إلاّ أنّ التّرتيب يستفاد من نصوص شرعيّة أخرى، متواترة من الكتاب
والسنّة، تفيد أنّ الإنسان يكون «مسلماً»
عنده، لا محالة أصل الإيمان، وأصل الإحسان، ولكنّه لا
يستحق أن يسمّى «مؤمناً»، أو «محسناً»، هكذا على الإطلاق بدون قيد
مناسب.
ثمّ تزداد معرفته، ويزداد إيمانه، وتشتدّ مراقبته لله عزّ وجلّ،
فيقوم بجميع الواجبات، ويترك جميع المحرّمات فيستحقّ أن يسمّى
«مؤمناً» بإطلاق.
ثمّ يضرب بسهم وافر من المستحبّات، والتّباعد عن المكروهات،
والاستغناء عن فضول المباحات، لقوة إيمانه وشدّة مراقبته لله عزّ وجلّ، فهو يعبُد
الله «كأنّه يراه»، فإذا بلغ تلك
المرتبة استحقّ أن يسمّى «محسناً»
هكذا بإطلاق. فكل محسن مؤمن، وكل مؤمن مسلم، وليس العكس بإطلاق، ولكنّ العكس صحيح
بقيود وضوابط!
والموضوع شائك عسير يتعلّق بحقيقة «الإيمان»، وأحوال النّفوس البشريّة المعقّدة، وحدود الكفر وضوابطه.
فلعلنا نوفّي الموضوع بعض حقّه في رسالتنا الموسومة بـ «حقيقة الإيمان، وضوابط الكفر»، وهي ما زالت تحت الإعداد.
| فصل: تعريف الإسلام
الإسلام: (هو الدّين المنزّل من الله، سبحانه وتعالى،
على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدّنا محمّد، صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم
تسليماً كثيراً). وهو الدّين الأخير الخاتم، الذي نسخ الله به جميع الأديان
السّابقة نسخاً نهائيًّا كاملاً، بما فيها من حقّ وباطل، فلم يعد الله يقبل من أحد
غيره، ولن ينجوا أحدا في الآخرة إلا به.
ومعنى لفظة «الإسلام»
لغةً: هو الخضوع والتسليم، فيكون الإسلام إذاً هو: (الاستسلام المطلق لله بالتّوحيد، والانقياد التّام له بالطّاعة، المبنيّة
على المحبّة والتّعظيم، والخلوص الكامل من الكفر والشّرك، والبراءة من أهلها،
والكفر بسائر الأنداد والطّواغيت).
* قال تعالى: {وَمَن
يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ
مِنَ الْخَاسِرِينَ}، (آل عمران؛ 3: 85).
وقال جلّ جلاله، وسما مقامه: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، (آل عمران؛ 3: 19).
وقال جلّ جلاله، وسما مقامه: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، (آل عمران؛ 3: 19).
* وقال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ
يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ
وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، (البقرة؛ 2: 132).
* وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، (آل
عمران؛ 3: 102).
* وقال تعالى: {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ
لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ
أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ
فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}، (آل عمران؛
3: 20).
* وقال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ
مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}، (الزمر؛ 39:
54)
* وقال جل جلاله، وسما مقامه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا
أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن
تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ
لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، (المائدة؛ 5: 3).
وقد تُطلق
ألفاظ «الإسلام»، و«المسلمين» على الأمم والأديان السّابقة، في مثل قوله تعالى عن
التوراة: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا
النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ
وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ
وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ
تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ
فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، (المائدة؛ 5: 44)، وقوله عن يعقوب، وبنيه،
صلّى الله عليهم وسلّم: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ: يَا
بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}،
(البقرة؛ 2: 132)، وقوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ
مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُون!!}،
(آل عمران؛ 3: 83)، ونحوها، ويراد بها المعنى الأصلي في اللّغة، وهو الخضوع والتّسليم،
أي المعنى المذكور أعلاه، ألا وهو: (الاستسلام المطلق لله بالتوحيد، والانقياد التّام
له بالطّاعة، المبنيّة على المحبّة والتّعظيم، والخلوص الكامل من الكفر والشّرك،
والبراءة من أهلها).
فصل: أركان الإسلام الخمسة
* عن عبدالله بن عمر ــ رضى الله عنهما ــ قال: قال رسول الله، صلّى
الله عليه وعلى آله وسلّم: «بُنى الإسلامُ على خمس: شهادة أن لا اله إلا الله،
وأن محمداً رسول الله؛ وإقام الصّلاة؛ وإيتاء الزّكاة؛ وحجّ البيت؛ وصوم رمضان»
حديث صحيح أخرجه البخاري. وفي الباب أحاديث كثيرة متواترة، ومعانيها معلومة من الدّين
بالضّرورة.
فصل: معنى (لا إله إلاّ الله)
أي: لا أحد يستحقّ أن يُحبّ، ويُعظّم، ويقدّس، ويُتذلّل له؛ ويخضع
لأمره ويُطاع، لما لذاته من صفات الكمال، ولما له من قدرة ذاتيّة مستقلّة على الضّر
والنّفع، إلاّ الله.
أي: لا معبود بحقّ إلاّ الله، وغير الله إن عُبِد فباطل.
أو بلفظ آخر: لا شيء يتمتّع بصفات «الألوهيّة»، أي صفات «استحقاق
العبادة»، من «القيّوميّة» أي «وجوب الوجود»، أي القيام بالنّفس والغنى
عن الغير، واتصافها بالقدرة الذاتية المستقلّة
المطلقة، المنزّهة عن كلّ قيد أو شرط: في الخلق من عدم، وفي التّصوير، والتّكوين،
والقهر والتّدبير، والأمر والنّهي،...، لا شيء يتّصف بذلك إلاّ الله، وإن نسب بعض
ذلك إلى غيره، فكذب وإفك، وخيال باطل ووهم، خلاف الواقع والحقيقة.
وإن شئت فقل: لا شيء يستحق أن يطاع لذاته، فيُتلقّى أمره بالقبول
والرّضا، والتّسليم والمحبّة، والاحترام والتّعظيم والطّاعة، إلاّ الله، وغيره فإنّما
يُطاع بأمر الله، ولا يُعرف أمر الله إلاّ بالبرهان اليقينيّ القاطع!
وإن شئت فقل، كما قال ربُّك: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ
تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، (الأعراف؛ 7 : 54).
وإن شئت فقل، كما قال ربُّك، حاكياً مقولة يوسف، صلوات الله وسلامه
عليه وعلى آبائه وأجداده، الجامعة المانعة: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ
إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا
مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ
إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}،
(يوسف؛ 12: 40 ).
* قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ
وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ
الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}، (الحج؛ 22: 62)؛
* قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ
وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ
الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}، (لقمان؛ 31: 30).
* وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}، (محمد؛ 47: 19).
فالشّهادة، إذًا، لها رُكنان:
الأوّل: نفي الألوهية
كلّها عن غير الله نفياً باتًّا قاطعاً مطلقاً! فلا بُدّ أوّلاً من الكفر بكلّ «معبود»، أي كلّ «إله»، أو كلّ «رب»، إلاّ
الله، والبراءة منه ورفضه.
الثاني: إثبات كافّة
خصائص الألوهيّة وصفات الكمال والجمال والجلال لله تعالى، بما في ذلك من أفعال
الخلق والتّكوين والتّصرف والتّدبير، والنّفع والضّر، والأمر والنّهي، وكذلك العلم
والمشيئة والتّقدير، لله وحده لا شريك له.
* قال تعال: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ
الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، (البقرة؛ 2: 256).
* وقال تعالى، حاكيا عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام مثنياً عليه
بذلك: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء
مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)}،
(الزخرف؛ 43: 26-27).
* وفي الصّحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنّه قال: «من قال لا إله إلاّ الله، وكفر بما يُعبد من
دون الله، حَرُمَ ماله وَدمُهُ، وحِسابه على الله عزّ وجلّ».
فالشّهادة، إذًا، نفي وإثبات، والنّفي فيها مُقدّم على الإثبات. فلا
بدّ أوّلاً من الكفر بالطّواغيت وكلّ ما يُعَبَدُ من دون الله، وإلاّ فلا انعقاد
للإسلام، ولا نجاة في الآخرة.
فصل: معنى (محمد رسول الله)
أنّ محمّداً هو المُبلّغ عن الله تبليغًا معصومًا، لا يتطرّق إليه
نقص أو زيادة، ولا خطأ أو كذب أو نسيان. نعم: هو، صلّى الله عليه
وعلى آله وسلّم، بشر ينسى، ولكن من المحال الممتنع أن يؤثّر نسيانه على التّبليغ
عن الله، لأن الله، جلّ جلاله وسما مقامه، قد تكفّل بحفظ الذّكر، وبتذكيره إذا
نسي، حيث قال: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ
يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} (الأعلى؛ 87:6 - 7)، وفي غير موضع كما
سيأتي؛ وربّما جعله ربُّهُ ينسى، ليَسُنَّ لأمّته الأحكام المتعلّقة بالنّسيان،
فهو خير الأُسوة، ونعم القُدوة.
وهو، صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، لا ينطق عن الهوى، ولا يتلفّظ
إلاّ بحقّ، ولا يتكلّم إلاّ بعلم من الله، ولا يُقدّم بين يدي ربّه، إذا سُئِل في
أمر جديد، بل يسكت وينتظر، حتى يأتيه الوحي بحكم الله. فهو مُبلِّغٌ عن الله فحسب،
وهو لا يجتهد، ولا يحتاج أن يجتهد، ولا
ينبغي له أن يجتهد، وقد نزّهه الله عن الاجتهاد، ولكنّه شرّف أمّته ورحمها
بإثابة كل مجتهد، مصيباً كان أم مخطئاً، فمن أصاب فله أجران، أو أكثر، ومن أخطأ فله
أجر واحد!!
فمعنى (محمّد رسول الله) إذًا:
لا متبوع بحقّ إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وغير رسول الله، صلّى
الله عليه وعلى آله وسلّم، لا يُتَّبَعُ ولا يطاعُ، إلاّ بأمرٍ من الله ورسوله،
ثابت بالبرهان القاطع عنهما، ومن اتّبع فيما لا برهان عليه فقد اتّبع بباطل.
وحتى الإتّباع في «الإباحة»
يحتاج إلى دليل، لأنّ الإباحة حكم شرعي تكليفي، والإتّباع في المباح، أي في «الأحكام التّخييريّة»، كالإتّباع في غيره
من «الأحكام التّكليفيّة»: من إيجاب
أو ندب أو كراهية أو تحريم؛ أو الإتّباع في «الأحكام
الوضعيّة»: من وضع لسبب أو شرط، أو مانع، أو رخصة، أو عزيمة، أو صحة، أو
بطلان، أو فساد، سواءٌ بسواء. كلّ ذلك من أفعال العباد الاختياريّة الّتي لا يعرف
حكمها الشّرعي إلاّ بالدّليل الشّرعي، ولا فرق.
أمّا ما يفعله النّاس بمشيئتهم واختيارهم، في زمن الفترة، قبل مجيء الرّسالة،
وقيام الحجّة، فهو عدم تكليف، وليس
هو «إباحة»، لأنّ الإباحة حكم شرعي «تكليفي»، لا يعرف إلاّ بعد ورود الشّرع
عن طريق الوحي، أي بعد مجيء «التّكليف»،
كما هو مبرهن عليه في رسالتنا هذه، ومفصّل بما لا مزيد عليه في كتابنا: (الحاكميّة، وسيادة الشّرع)
* وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ
حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}، (النّساء؛ 4: 65).
* وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا
قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً}،
(الأحزاب؛ 33: 26)
* وقال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ
وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}، (النّساء؛ 4: 81).
* وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ
بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ
فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ
تَوَّاباً رَّحِيماً}، (النّساء؛ 4: 64)
* وقال تعالى: {إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ
وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَداً}، (الجن؛ 72: 23).
* وقال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ
وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
(14)}، (النّساء؛ 4: 65).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق