شروط قبول شهادة التوحيد

بـــــــــاب
شروط قبول شهادة التوحيد

(لا إله إلا الله، محمد رسول الله): هي شهادة الحق، وكلمة الإسلام، لا يصح إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له، ودلت عليه، والتصديق الجازم لمضمونه، والإقرار به، وقبول مقتضاها ولوازمها والإنقياد للعمل به، ومحبته، وتعظيمه، طلباً لرضوان الله، وتقرباً وزلفى إليه! وهي كلمة الإخلاص المنافية للنفاق والرياء، وكلمة التقوى التي تقي قائلها من الكفر، والشرك بالله. وهي لا تنفع قائلها إلا بشروطها، وهي:
(الأول) المعرفة: أي معرفة معناها نفياً وإثباتاً، ولو على وجه الإجمال، ويناقضه الجهل بجوهر مضمونها. والجهل بجوهر مضمونها كفر، وهو كفر جهل. وكفرالجهل هذا قد يكون صاحبه معذوراً لعدم حصول البلاغ المبين (كبعض أهل الفترة)، وهذا عجز عن الوصول إلى المعرفة، وقد يكون غير معذور لإعراضه عن طلب المعرفة، ومراتب المعرضين عن طلب المعرفة درجات تتفاوت في القبح والشر.
(الثاني) اليقين: وهو التصديق الجازم بمضمونها، أي بأن مضمونها حق مطابق لواقعه. ويناقضه أدنى الشك والريب في صدق مضمونها، فيكون ذلك كفر شك. وشر من ذلك تكذيبها الذي يترتب عليه كفر التكذيب.
(الثالث) الإقرار: بذلك بالتلفظ بها (لفظاً، أو كتابة، أو إشارة) إلا إذا منع من ذلك إكراه ملجيء. ويناقضه جحودها، مع انعقاد اليقين بصدقها، وكونها حق مطابق لواقعها في القلب. كما هو حال الملأ من آل فرعون: }وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماوعلوا{، وهو كذلك حال أبي جهل وحيي بن أخطب، وأضرابهم. وهذه حالة مرضية شاذة تدل على مرض القلب والنفس ولا تظهر في المخلوق السوي، لأن المخلوق المكلف (أي العاقل المختار) السوي، الذي لم تنحرف فطرته، إذا استيقن الحق أقر به، وانقاد، وأحبه، وعظمه! وهذا الكفر اي كفر الجحود هو الكفر الحق، وهو الذي وضع له لفظ الكفر أصلاً، لأن لفظ الكفر مأخوذ من التغطية والستر، وهذا لا يتصور على حقيقته الا في الجاحد الذي يستر، عمداً، ما في قلبه من يقين وتصديق.
(الرابع) القبول والإنقياد والتسليم: أي الإنقياد بحقوقها، وهي الأعمال الواجبة، إنقياداً منافياً للرد والإباء والاستكبار، فقد يتلفظ بها مقراً من يعرفها، ويوقن بصدقها، أي أنها حق في ذاتها، لكنه لا يقبلها، ويأبي الإنقياد، والتسليم والطاعة، من حيث المبدأ، لمن دعاه إليها، أو إلى لوازمها، ومقتضياتها، إما حرصاً على الدنيا، ومصالحها، ومتاعها، أو حتى خوفاً من التعذيب أو القتل، فيكون كفر عدم انقياد وتسليم. مثال ذلك :
v ما أخرجه الحاكم في «المستدرك» عن صفوان بن عسال المرادي قال: [قال يهودي لصاحبه: إذهب بنا إلى هذا النبي نسأله عن هذه الآية: }ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات{، فقال: لا تقولوا له نبي، فإنه لو سمعك، لصارت له أربعة أعين! قال: فأتيا النبي فسألاه، فأجابهما. فقبلا يديه ورجليه، وقالا: نشهد إنك لنبي! فقال: «ما منعكما أن تسلما؟!»، قالا: إن داود، عليه السلام، دعا أن لا يزال من ذريته نبي، وإنا نخشى أن يقتلنا يهود!]، هذا حديث صحيح، لا علة له، كما قال الحاكم، ووافقه الذهبي. والحديث أخرجه كذلك أحمد، والنسائي، والبيهقي في «الكبرى»، وابن أبي شيبة في «المصنف»، وابن أبي عاصم في «السنة»، والترمذي!
فهذان عرفا معرفة تامة، تضاد الجهل، بل إن ليهما من المعرفة والعلم المفصل ما ليس لدى الكثير من الناس، وأيقنا يقينا كاملاً يضاد الشك، وأقرا بالنبوة، وشهدا عليها، فلم يجحدا، ولكنهما لم ينقادا ويتبعا، فبقيا كافرين، ولم يدخلا في الإسلام!
وقد يكون دافع ذلك تعصباً وتكبراً، وهذا شر من سابقه. وهذا هو كفر الإباء والاستكبار. وكفر إبليس، لعنة الله عليه، من هذا النوع لانه أبي السجود، ورفض الامر، مع أنه عرف معرفة تامة، تضاد الجهل، وأيقن يقينا كاملاً يضاد الشك، وأقر بسماع الأمر، وبفهمه، فلم يجحد، ولكنه أبى واستكبر وكان من الكافرين. فهذا الكافر المستكبر قال لربه: }لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون{، اي انه يقول: (أن أمرك ليس بحكيم، وهو من ثم ليس مقبولا!).
وهذاالنوع من الكفر هو في حقيقته كذلك نوع من الشرك لأن صاحبه جعل نفسه وعقله وهواه حاكماً مشرعاً في مرتبة مساوية لحكم الله سبحانه وتعالى، اي جعل نفسه ندا لله، ورباً من دون الله، وإلهاً من دون الله.
وهذا النوع من الكفر قد يكون مترتباً علي الجهل، أو الشك، أو التكذيب، فيكون نتيجة طبيعية لذلك، وقد يكون مع المعرفة، والتصديق، فيكون حالة مرضية شاذة تدل على مرض القلب والنفس ولا تظهر في المخلوق السوي.
واشتباه المعاصي مع هذا النوع هو الذي زلت بسببه أقدام الخوارج عندما كفروا أهل المعاصي. والحق أن العاصي لا يقول لربه، لا بلسان الحال، ولا بالمقال: (أنا أرفض أمرك يارب)، ولكنه يقول: (أنا أقبل أمرك، ولكنى فشلت في الالتزام، وغلبتني شهوتي، وأنا مقر بحقك علي، وبأنك أهل لأن تطاع، ومعترف بالذنب والتقصير!) فأين هذا الحال من كفر الاستكبار؟!!
(الخامس) المحبة: لهذا الكلمة، ولمقتضاها، ولما دلت عليه، والسرور بذلك، وانشراح الصدر به. وفي مقدمة ذلك محبة الله جل وعلا، ومحبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ودينه، وأولياءه، وأنصاره، والفرح بظهور الدين، وانتصار المسلمين، ولما يصيبهم من الخير، والحزن على ما يصيبهم من المصائب والهزائم.
وضد ذلك كفر البغض والكراهية الذي يظهر في كراهية النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكراهية ماجاء به، وكراهية أولياءه وأنصاره، أو كراهية دينه وشرعه، أو محبة أعداءه، أو الفرح لما يصيب الاسلام والمسلمين من البلاء، أوالسخط على ما يمن الله به على الاسلام والمسلمين من الانتصار.
كما أنه من المحال أن يوجد هذا الحب للإسلام وأهله، مهما كان فيهم من قصور، بل وربما من عدوان على مدعي «المحبة» هذا، من المحال أن يكون هذا الحب موجوداً ويتولَّى مدعي «المحبة» هذه الكفار، ويقاتل، تحت رايتهم، المسلمين، فيقتل المسلمين، أو يعين الكفار الحربيين في حربهم للمسلمين بيد أو لسان.
وهذا النوع من الكفر، كذلك، قد يكون مترتباً علي الجهل، أو الشك، أو التكذيب، فيكون نتيجة طبيعية لذلك، وقد يكون مع المعرفة، والتصديق، فيكون حالة مرضية شاذة تدل على مرض القلب والنفس ولا تظهر في المخلوق السوي.
(السادس) التعظيم والاحترام: لمعنى هذه الكلمة وأركانها، ولوازمها ومقتضياتها، واعتبارها أعظم شهادة، وأصدق حقيقة، وأعظم الأذكار مكانة عند الله! وفي مقدمة ذلك تعظيم الله سبحانه وتعالى، وتوقير النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، واحترام ما جاءبه.
وضد ذلك الاستخفاف، والسخرية، أو الاستهزاء. وهو كفر الاستهزاء، ويكون بالاستهتار بالله أو آياته، أوبرسوله، وما جاء به، واتخاذ ذلك أوبعضه موضع سخرية وفكاهة، وخوض ولعب!
وهذا النوع من الكفر قد يكون مترتباً، كذلك، علي الجهل، أو الشك، أو التكذيب، فيكون نتيجة طبيعية لذلك، وقد يكون مع المعرفة، والتصديق، فيكون حالة مرضية شاذة تدل على مرض القلب والنفس ولا تظهر في المخلوق السوي.
(السابع) الإخلاص: بأن يكون كل ذلك تعبدا لله، وتقرباً، وزلفى إليه، وإرادة لوجهه، وطلباً لرضوانه، وحده لا شريك له، وليس لأنه حق مجرد، مطابق لواقعه، أو لأنه مطابق للذة النفس والعقل وسرورهما!
هذا هو الفرق الجوهري بين العقيدة الفلسفية، أو النظرية العلمية، وبين العقيدة الدينية التعبدية! ومن باب أولى لا يكون ذلك كله، أو بعضه، مهما قل، لإرضاء غير الله، أو إرضاءً لغير الله مع الله، أي رياءً، أو نفاقا، أو مداهنة.
وضد ذلك كفر الإعراض عن طلب مرضاة الله، أو التفكير في الآخرة، والعمل لها. فالكافر المعرض لا يفكر في الآخرة، ولا يعمل لها، ولا يبالي أصلاً برضوان الله، ولا بالتقرب إليه!
فاذا عرفنا هذه الانواع الاساسية من الكفر المناقض للاسلام كل المناقضة والمخرجة لاهلها من الملة استطعنا ان نعرف أصل الايمان الذي هو ضد الكفر مضادة تامة، بحيث لا يكون المرء مسلماً إلا بتحقبقه، وإلا كان كافراً أصلياً، أو مرتداً خارجاً عن الإسلام، إن صح له عقد الإسلام من قبل:
أصل الايمان: هو التصديق الجازم، واليقين الراسخ، بالله، ووحدانيته، وبرسله، وبكتبه، واليوم الاخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، والاقرار بذلك والشهادة عليه، والتسليم والانقياد لمقتضاه، مع تمام المحبة والتولي، والتوقير والتعظيم لله ولرسوله ولما جاء به، طلباً لرضوان الله ولما عنده من الفضل والثواب.
وعلى كل حال فإن «حقيقة الإيمان، وضوابط الكفر» موضوع شائك مستقل، يحتاج إلى دراسة مستفيضة سنقوم بها، إن كان في العمر فسحة،، بتوفيق الله، في موضع آخر، في كتاب مستقل بنحو ذلك العنوان.


قواعد الاعتصام بالكتاب والسنة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق