التوحيد: أركانه، وأقسامه

بــــــــاب
التوحيد: أركانه، وأقسامه

u فصل: أركان التوحيد
من مجموع ما سبق، ومما سيأتي، يتبين أن التوحيد له ركنان أساسيان وهما كما يلي:
الأول: إفراد الله بالعبادة، أي بالخضوع والطاعة، والتسليم، المبنية على منتهى المحبة والتوقير والتعظيم؛
v قال الله تعالى: }ألر كتاب أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير، ألا تعبدوا إلا الله إننى لكم منه نذير وبشير{، (هود؛ 11:1).
v وقال تعالى: }ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه، أني لكم نذير مبين، أن لاتعبدوا إلا الله، إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم{، (هود؛ 11:25).
v وقال تعالى: }واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف، وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه، ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم{، (الاحقاف؛ 46:21).
والثاني: إفراد رسوله محمد بن عبد الله، صلوات الله وتبريكاته وسلامه عليه وعلى آله، بالاتباع: فكما أننا لا نعبد إلا الله، فكذلك لا نتبع إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال الله تعالى: }قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيمٌ{، (آل عمران؛ 3:31).
v وقال تعالى: }وما أتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه، فأنتهوا، واتقو الله إن الله شديد العقاب{، (الحشر؛ 59: 7).
v وقال تعالى: }فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت، ويسلموا تسليما{، (النساء؛ 4:25).
u فصل: أقسام التوحيد
ينقسم التوحيد إلى عدة أقسام منها:
(1) توحيد الذات (والاسماء والصفات)، وتندرج تحته فروع.
(2) توحيد الخلق والتكوين والإيجاد من عدم.
(3) توحيد التدبير والتصرف.
(4) توحيد الحاكمية والتشريع.
وهذه الأنواع الأربعة السابقة كلها تتعلق بالمعرفة والعلم والقول والاعتقاد فهى كلها إذاً من توحيد «العلم والاعتقاد»، ولا نبعد كثيراً إذا اعتبرناها كذلك أقساماً لـ «توحيد الربوبية والألوهية»، الذي هو باب واحد، إذا عرف التعريف الصحيح.
(5) توحيد العبادة والتقديس.
(6) توحيد الطاعة والاتباع.
(7) توحيد المحبة والولاء.
وهذا الانواع الثلاثة الأخيرة تتعلق بأفعال العبد الظاهرة والباطنة، فهي إذاً أقسام لتوحيد «القصد والإرادة والطلب»، ولا نبعد كثيراً إذا اعتبرناها كذلك أقساماً لـ «توحيد العبودية»، وهو الباب الآخر المقابل لـ ـ«توحيد الربوبية والألوهية»، إذا عُرِّفَ التعريف الصحيح.
وقد يقول قائل: ما ذا أصاب القسمة الثلاثية الشهيرة: «توحيد الربوبية»، «توحيد الألوهية»، و«توحيد الأسماء والصفات»؟!
فنقول: هذه قسمة غيرمنضبطة، لتداخل أقسامها، ولا حاصرة، لخروج أصناف مهمة من التوحيد منها، وهي منكوسة حيث يتم تقديم الربوبية على الألوهية،وهي مغلوطة لعدم تطابق محتوى كل قسم مع المعنى اللغوي للفظ المستخدم للتعبير عنه، فضلاً عما ترتب عليها من إشكالات لا تنحصر، لذلك قررنا هجرها.
ويتضح ذلك تماماً إذا استقرأنا معاني اللفظين: «رب»، و«إله»، كما جاءت في الكتاب العزيز، وكما استخدمها العرب الفصحاء زمن نزول القرآن، الذي نزل بلسانهم.
أما «الرب» فهو لفظ يأتي في العربية بمعنيين:
(1) السيد، أي المتصرف المدبر، الآمر الناهي، الحاكم المشرع: وهذا يتحقق في الفروع التالية:
(أ) السيد المطاع: وهو أهم المعاني الفرعية. يقول الجوهري في «الصحاح»، (ج1؛ ص 130): [والعرب تقولك ربَّيت القوم، أي كنت فوقهم].
(ب) المتصرف، المدبر، راعي الشوون، ومصلح الأحوال: قال الإمام العلامة المحدث أحمد بن فارس في «معجم مقاييس اللغة»، (ج2؛ ص 381): [الرب: المصلح للشئ، يقال: رب فلان ضيعته، إذا قام على إصلاحه]
(جالمربي: قال الراغب الأصفهاني في «مفردات غريب القرآن»، (ص 184): [الرب في الأصل التربية، وهو إنشاد الشئ حالاً فحالاً إلى حد التمام، يقال: ربه، ورباه، وربيبه]. قلت: هذا كأنه فرع ثانوي وحالة خاصة للفرع السابق
(د) الملك: قاله الأزهري في تفسير قوله تعالى: }اذكرني عند ربك{، (يوسف؛ 12:42)، كما هو في «تهذيب اللغة»، (ج15؛ ص 176). قلت: هذا غريب، وليس بمقنع، بل هو ها هنا بمعنى: السيد المطاع، لا غير. ولو كانت لفظة يوسف الأصلية هي بمعنى «ملك»، لما نقلها الله جل جلاله إلى العربية إلا هكذا، لا سيما وأن لفظة «ملك» قد كثر استخدامها في القرآن، وقد أطلقت في هذه السورة نفسها على ملك مصر!
(2) المالك: أي مالك العين أو الشئ ملكية تعطيه حق التصرف في العين باستهلاكها كأكل الخبز، أو لحم الشاة بعد ذبحها، أو التمتع بمنفعتها كركوب الدابة، وكذلك حق البيع أو الهبة أو التأجير للعين أو المنفعة بحسبها. فالمالك له، بموجب الملكية، حقوق التصرف والتدبير والرعاية، فالمالك إذاً ضرورة: متصرف مدبر.
فـلفظة «الرب» أبلغ في الدلالة وأقوى من لفظتي «السيد»، و«المالك»، مع كونها مرادفةً لهما في مجمل المعاني. والرب أو السيد هو كذلك ضرورة الآمر الناهي، وإلا لم يكن مالكاً متصرفاً مدبراً. هذا معلوم بالضرورة من لغة العرب، ومن دين الإسلام ونصوصه، في مثل قول الله تعالى حاكياً كلام يوسف لصاحبي السجن: }أما أحدكما فيسقي «ربه» خمراً، ...{، (يوسف؛ 12:41)، أي سيده أو مالكه أو صاحب السلطان عليه، وليس بالضرورة معبوده، أي الذي تصرف له الشعائر التعبدية، وهذا المعنى هو بعينه في قوله تعالى في نفس السورة حاكياً كلام يوسف مرة أخرى: }وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند «ربك»،...{، (يوسف؛ 12:42)، وليس كما زعم الأزهري، ومرة ثالثة: }فلما جاءه الرسول قال: ارجع إلى «ربك» فسئله ما بال النسوة الاتي قطعن أيديهن...{، (يوسف؛ 12:50). وهذا المعنى هو كذلك المتداول في لسان العرب، فيقول قائلهم: رب البيت، وربة البيت.
وهذا المعنى نفسه هو المقصود من قوله تعالى في حق الأحبار والرهبان: }اتخذوا أحبارهم ورهبانهم «أرباباً» من دون الله، والمسيح بن مريم، ...{، (التوبة؛ 9: 31). أي سادة يشرعون ويطاعون، كما سنفصله في موضعه بعد قليل، مع أنه معلوم من ضرورة النقل التاريخي ومشاهدة الواقع الحالي أنهم لم تصرف لهم شعائر تعبدية، أي الأحبار والرهبان، أما المسيح بن مريم، عليه وعلى والدته أتم الصلاة وأزكى التسليم، فهو عندهم بخلاف ذلك «رب»، و«إله» تام الألوهيه، تصرف له العبادة، ويتقرب إليه بالشعائر والقرابين والأعمال الصالحة.
وقد جاء النص الشرعي بنهي العبد المملوك أن يقول لمالكه: «ربي»، و«ربتي»، وليقل بدلاً من ذلك: «سيدي، و«سيدتي»، وبنهي المالك عن مقولة: «عبدي»، و«أمتي» واستبدالها بألفاظ: «فتاي، و«فتاتي»، تأدباً مع الله، جل وعلا، وبحيث ينحصر استخدام افظة: «رب» في حق الله، جل وعز، كما هو الحال في الأغلبية الساحقة من آيات الكتاب العزبز، في قريب من ألف موضع.
أما لفظة: «إله»، وقريب منها «إل»، في العربية، وكذلك في اللغات السامية الأخرى، كالعبرانية والأرامية السريانية، وغيرهما، لفظة: «إيل»، الذي تتركب منه أسماء مثل: إسرائيل، وإسرافيل، وميكائيل، وجبرائيل، وعزرائيل، وعمانوئيل، وعزازيل، وغيرها. ولفظ الجلالة: الله، وهو في الآرامية مشتق في الأرجح من: الإله، بالتعريف، ثم تداولت الألسنة حتى أصبح علماً على الذات الإلاهية المقدسة، الجليلة المعظَّمة، إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، والنبيين. كما يوجد في العربية فعل: «يتأله» بمعنى يعظم الشعائر، أو يتعبد، وهو كذلك على وزنه، والظاهر أنه مشتق من الأصل الثلاثي: «أ ل ه»، وهو لفظ جامد، لا يوجد منه فعل ثلاثي في العربية، وليسط العكس: فـ«التألَّه»، على وزن «تفعُّل» مشتق من مادة «أ ل ه» الثلاثية، وليس العكس، كما قد يتوهم البعض.
هذا من حيث اللفظ، ولكن المهم هو المعنى، وهو بحمد الله قد أوضحه الكتاب العزيز، في مواضع عدة، قال تباركت أسماؤه: }قل: أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم، من «إله» غير الله يأتيكم به؟!{، (الأنعام؛ 6:46)، فالإله هو القادر على الإتيان بالسمع والبصر بقدرته الذاتية، عبد أو لم يعبد.
v وقال، جل وعز: }ما اتخذ الله من ولد، وما كان معه من «إله»، إذا لذهب كل «إله» بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض ...{، (المؤمنون؛ 23:91)، فالإله هو الذي يخلق بقدرته الذاتية، وهو الذي يعلوا على غيره ويقهر فلا ينافس ولا يقهر بقدرته الذاتية، عبد أو لم يعبد.
v وقل، جل من قائل: }أمَّن خلق السموات والأرض، وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أ«إله» مع الله؟! بل هم قوم يعدلون{، (النمل؛ 27: 61)، فالإله هو القادر على الخلق، المنزل الماء من السماء منبتاً حدائق ذات بهجة. وتستمر الآيات التالية معددة صفات الإله، التي يستحق بها أن يكون إلها: خلق الأرض برواسيها وأنهارها وجعلها قراراً صالحة للحياة، إجابة المضطر إذا دعاه، وكشف السوء، استخلاف الإنسان في الأرض، الهداية في ظلمات البر والبحر، وإرسال الرياح بالمطر، بدء الخلق ثم إعادته، ... إلخ، إلخ، عبد أو لم يعبد.
v وفي سورة القصص: }من «إله» غير الله يأتيكم بضياء، أفلا تسمعون{، (القصص؛ 28:21)، فالإله هو القادر على الإتيان بالضياء. وتستمر الآيات التالية فتنص على أن الإله هو الذي يأتي بالليل والنهار، عبد أو لم يعبد.
v والإله هو السيد التام السيادة، والرب المطاع طاعة مطلقة، كما قال فرعون متوعداً لموسى: }لئن اتخذت «إلهاً» غيري لأجعلنك من المسجونين{، (الشعراء؛ 26:29).
v والإله هو الذي لا يضام. فيجير على الله، فلا ينقض جواره، ولا ترد شفاعته: }أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا؟! لا يستطيعون نصر أنفسهم، ولا هم منا يصحبون{، (الأنبياء؛ 21:43)، وقال تعالى في سورة يس: }أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً، ولا ينقذون{، (يس؛ 36:23).
v والإله هو الذي يحيي الموتى، فيخرجهم للبعث والنشور، قال تعالى: }أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون؟!{، (الأنبياء؛ 21:21).
وهكذا، وهكذا، في مواضع كثيرة: صفات معينة يستحق من اتصف بها أن يسمَّى إلهاً، وحينئذ يمكن أن يتصور أن يتقرب إليه أو أن يعبد ويعظم. فالعبادة والتقديس تبع لكونه إلهاً، أي متصفاً بصفات معينة، كما سنفصله ونبوبه في أبوابه قريباً إن شاء الله تعالى.
علاوة على أنه: (لا إله إلا الله)، هكذا مطلقاً، وبدون زيادة احتياط، فليس ثمة في الوجود إله قط إلا الله، وكل من سمِّاه الناس إلاهاً، غير الله، فما هو إلا وهم وخرافة لا وجود لها إلا في أذهان زاعميها المريضة، وخيالاتهم الشاطحة، فهو من ثم (إله باطل)، بمعنى أنه من خرافات الذهن وتقديره، كما يقدر الذهن المستحيلات. ولكن هناك سادة وملاك وأرباب غير الله، إلا أن سيادتهم، وملكهم، وربوبيتهم، محدودة مخلوقة، ليست مطلقة أزلية، ومكتسبة تابعة وليست ذاتية على وجه الاستقلال، وفرعية مشروطة بإقدار الله وإذنه الكوني أو الشرعي أو كلاهما، ووليست أصلية ذاتية.
والحق أن «الإله»، المعرف بالألف واللام، ليس اسم جنس كلي، تندرج تحته أفراد كثيرة، بل هو خاص بالله تعالى، مثل «الرحمن»، وفي الناس كثيرون اسمهم عبد الإله، وإطلاقه على معبودات المشركين لا يجعله كلياً، لأنه ليس بإطلاق حقيقي، وإنما هو استعارة.، قال الفيومي في «المصباح المنير»: [الإله المعبود، وهو الله سبحانه وتعالى، ثم استعاره المشركون لما عبدوه من دون الله تعالى]، وقال الراغب في «مفردات القرآن»: [و«إله» حقه ألا يجمع؛ إذ لا معبود سواه، لكن العرب لاعتقادهم أن ههنا معبودات جمعوه فقالوا: الآلهة). بل قد جاء في القرآن الكريم، والذكر الحكيم: }ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنـزل الله بها من سلطان{، (يوسف؛ 12:40). ويتبين من هذا أن «الإله» في الحقيقة علم خاص، كما قلنا، وأنه لتضمنه معنى العبادة، أطلقه العرب على معبوداتهم على سبيل الاستعارة، وتوهم البعض أن هذا إطلاق حقيقي، فزعموه أنه «كلي»، مع أنه علم خاص. ونظير فعل العرب هذا إطلاقهم لفظ (حاتم) على الكريم، اشتقاقاً من معنى الكرم الذي كان صفة حاتم الطائي المعروف، ولم يخرجه ذلك الإطلاق عن علميته الشخصية. كذلك لفظ «الإله» لا يخرجه إطلاقه على المعبودات اشتقاقاً من معنى العبادة عن علميته الخاصة بالله، تباركم وتعالى.
لذلك فلو قال قائل: (لا رب إلا الله)، أو (لا مالك إلا الله)، أو (لا سيد إلا الله)، لكان مخطئاً لو أطلقها هكذا، فلا بد من قيد مثل: (لا رب بذاته مستقلاً إلا الله)، وهكذا، أو نحو ذلك، أو أن يكون المقام مبيناً للمقصود من السياق مثل قولنا كثيراً في هذا الكتاب عن الله، جل جلاله: (لا إله إلا هو، ولا رب سواه)، فهذا سياق يوجب أن الرب ها هنا هو الرب ذاتياً على وجه الاستقلال، أي هو ضرورة الله العزيز الحكيم. فهناك سادات كثيرون، وملاك كثيرون، وأرباب كثيرون، ولكن ما ثمة إلا رب واحد ذاتي الربوبية والسادة، كامل الربوبية مطلقها، على وجه الاستقلال، تباركت أسماوه، وسمى مقامه.
فمجرد استخدام لفظة: (توحيد الربوبية) هو هكذا جناية على الحقيقة، ونقص في الدقة. نعم: ليست هذه وسوسة، ولا تشقيق كلام، ولا هو تخليل باللسان كتخليل البقر. كلا: فقد أثبت الواقع التاريخي منذ وضع الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية هذه اللفظة أنها أربكت مفهوم «التوحيد»، فأساءت ولم تصلح، كما سنبرهن عليه في هذه الرسالة، إن شاء الله.
كما ننبه سريعاً على أن كون الله، جل جلالة، الرب التام الربوبية، السيد المطلق السيادة، المالك حق الملك، إنما هو لأنه هو الحي القيوم، واجب الوجود الأزلي الأبدي، وهذه هي أخص خصائص الإلاهية. فالربوبية تترتب وتتفرع من الإلاهية، وليس العكس، كما زلت القدم بالإمام شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن تيمية، نعوذ بالله من: «زلات العلماء، وجدل المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين»
وعلى كل حال فسوف نجتنب استخدام القسمة الثلاثية لأن شأنها أصبح ملتبساً، لا يعرف بدقة ما المقصود به: أهو القسم الأول: «توحيد العلم والاعتقاد»، وهو على التحقيق «توحيد الألوهية والربوبية»، وهو على التحقيق قسم رئيس واحد له فروع، أم القسم الثاني: «توحيد القصد والإرادة والطلب» وهو على التحقيق «توحيد التقديس والعبودية».
والذي يجب التأكيد عليه، والتشديد فيه، على كل حال، هو أن هذه التقسيمات كلها اصطلاحية، لم يأت بها النص الشرعي. وهي كلها محدثة لم يستعملها أحد من القرون (أي الأجيال) الثلاثة الفاضلة مطلقاَ، بل لم تظهر إلا بعد انقراض حوالي العشرين من الأجيال، في آواخر القرن السابع الهجري باجتهاد من الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، لمعالجة بعض القضايا التي أهمته في عصره، ومع ذلك لم يسترح تلميذه شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية لها فمال إلى تبني القسمة الثنائية المنضبطة: توحيد «العلم والاعتقاد»، وتوحيد «القصد والإرادة والطلب»،.
لذلك فلا مكان لفتوى «هيئة كبار العلماء» في ما يسمَّى بـ«السعودية» التي نشرتها مجلة «الهدي النبوي» في عددها السابع، صفحة (25-26)، وذلك جواباً على سؤال المدعو «د. صهيب حسن» التالي:
سؤال: [بدأ بعض الناس - من الدعاة - يهتم بذكر توحيد الحاكمية، بالإضافة إلى أنواع التوحيد الثلاثة المعروفة. فهل هذا القسم الرابع يدخل في أحد الأنواع الثلاثة، أو لا يدخل، فنجعله قسماً مستقلاً حتى يجب أن نهتم به؟! ويقال أن الشيخ/محمد بن عبد الوهاب اهتم بتوحيد الألوهية في زمنه حيث رأى الناس يقصرون من هذه الناحية، والإمام أحمد في زمنه في توحيد الأسماء والصفات حيث رأى الناس يقصرون في التوحيد، في هذه الناحية، أما الآن فبدأ الناس يقصرون في توحيد الحاكمية: فلذلك يجب أن نهتم به، فما مدى صحة هذا القول؟!]، انتهى السؤال بحروفه، إلا علامات الترقيم والفواصل فهي من اجتهادنا، لتسهيل قراءة النص الركيك.
الجواب: [أنواع التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وليس هناك توحيد رابع. والحكم بما أنزل الله يدخل في توحيد الألوهية. وجعل الحاكمية نوعاً مستقلاً من أنواع التوحيد عمل محدث لم يقل به أحد من الأئمة فيما نعلم. لكن منهم من أجمل، وجعل التوحيد نوعين: توحيد في المعرفة والإثبات: وهو توحيد الربوبية، والأسماء والصفات؛ وتوحيد في الطلب والقصد، وهو توحيد الألوهية ، ومنهم من فصل فجعل التوحيد ثلاثة أنواع كما سبق، والله أعلم.
ويجب الإهتمام بتوحيد الألوهية جميعه: ويبدأ بالنهي عن الشرك لأنه أعظم الذنوب، ويحبط جميع الأعمال، وصاحبه مخلد في النار. والأنبياء جميعهم يبدئون بالأمر بعبادة الله والنهي عن الشرك. وقد أمرنا الله باتباع طريقهم، والسير على منهجهم في الدعوة وغيرها من أمور الدين.
والاهتمام بالتوحيد بأنواعه الثلاثة واجب في كل زمان لأن الشرك، وتعطيل الأسماء والصفات، لا يزالان موجودين بل يكثر وقوعهما، ويشتد خطرهما في آخر الزمان، ويخفى أمرهما على كثير من المسلمين، والدعاة إليها كثيرون ونشيطون. وليس وقوع الشرك مقصوراً على زمن الشيخ/محمد بن عبد الوهاب، ولا تعطيل الأسماء والصفات مقصوراً على زمن الإمام أحمد - رحمهما الله - كما ورد في السؤال، بل زاد خطرهما، وكثر وقوعهما في في مجتمعات المسلمين اليوم فهم بحاجة ماسة إلى من ينهى عن الوقوع في فيهما، ويبين خطرهما مع العلم بأن الاستقامة على امتثال أوامر الله، وترك نواهيه، وتحكيم شريعته: كل ذلك داخل في تحقيق التوحيد والسلامة من الشرك، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم]، انتهى الجواب بحروفه، إلا علامات الترقيم والفواصل فهي من اجتهادنا. هذا هو جواب ما يسمَّى بـ «هيئة كبار العلماء»!
والمتأمل في هذا «الجواب» العبقري لا يجد أثارة من العلم، إلا قليلاً. فهناك:
(1) تدليس وتلبيس، إن لم يكن تضليل متعمد، في وصف التقسيم الآخر بأنه «عمل محدث»، يوهم القاريء أو السامع البسيط، بأنه بدعة من الناحية الشرعية، وهو بالقطع ليس كذلك، لأن كل التقاسيم المذكورة، بما فيها تقسيمنا في هذا الكتاب، مخترعة محدثة على كل حال. وهي اصطلاحات، لا مشاحة فيها، وإن كانت الدقة والمطابقة لواقعها مطلوبة، وإلا أصبحت عديمة الجدوى، قليلة النفع، بل تنقلب إلى مضرة.
وسيقيم كتابنا هذا البرهان على أن تقسيم ابن القيم، وهو القسمة الثنائية، التي سماها «كبار العلماء!» مجملة، تدليساً وتمويهاً، هي القسمة المنضبطة، لا سيما إذا فرعت إلى أقسامها الثانوية كما سيأتي في باقي هذه الرسالة!
وتخوفاتنا هذه ليست تهمة بالظنة، وليست «وسوسة»، ولكنها حقيقة واقعة، حيث صرح ابن عثيمين، عضو «هيئة كبار العلماء» هذه نفسها، بأنه قول محدث، مبتدع، منكر، وأنه بدعة ضلالة، كما سيأتي بعد قليل!
(2) تدليس وتلبيس في نسبة القسمتين لأهلها، لأن القسمة الثنائية تعود إلي ابن القيم، وهو تلميذ ابن تيمية، والجامع لعلمه، والمحرر لمذهبه، كما هو معلوم. فلو ذكر ذلك لشك القاريء في سلامة القسمة الثلاثية واقناعيتها، ووفائها بالمقصود، وإلا فلم خالف التلميذ شيخه المبجل في ذلك، على ما عرف من تعظيمه له، ونصرته لأقواله، وتحريره لها؟!
(3) الإصرار على القسمة الثلاثية بالرغم من قصورها ذاتياً، وكونها ذريعة لفقهاء السلاطين إلى إخراج ساداتهم وكبرائهم من فجرة الحكام من حمئة الشرك، ووصمة الكفر، وتعرضها للنقد الموضوعي على مدى نصف القرن الفائت. والقوم أصحاب نظر وقياس بزعمهم، يجيدون الجعجعة عن «سد الذرائع»، وارتكاب أخف المفسدتين، وتفويت أدنى المصلحتين وما أشبه من الخزعبلات والهراء، فأين ذهب هذا كله؟!
(4) وفي الجانب الآخر تتم الإشارة إلى «الحكم بغير ما أنزل الله» إشارة عرضية ضعيفة، لا تسمن ولا تغني من جوع، وتفتح باب الكفر المهلك على مصراعيه، ذالك الكفر الشركي الأكبر، المردي في نار جهنم الأبدية، الموجب للعنة السرمدية، والمتمثل في تبديل الشرائع وفي الحكم بغير ما أنرل الله على مصراعيه، مع أن القوم يزعمون أنهم أهل «قياس ونظر»، و«سد ذرائع»، و«جلب مصالح، ودرء مفاسد»، وغيره من الدجل والهراء.
(5) جهل مطبق بواقع الناس اليوم، وما يدور في مجالسهم من نقاش وجدال. فلا تكاد تجد أحداً في الدنيا يخوض في دقائق «الأسماء والصفات»، اللهم إلا جهلة أتباع الدعوة الوهابية، الذين يدعون «السلفية» أنفسهم فقط، من أمثال السائل «صهيب حسن»، وهيئة كبار العلماء «السعوديين»، ومقلديها، ومن لحق بهم من الجهلة والظلاميين والمبتدعة، أما كلام الناس فهو حول: التشريع والحاكمية، وحقوق الإنسان، وخيانات حكام المسلمين للأمة، وتوليهم للكفار، وحقوق المرأة، والمسيرات أو المظاهرات في بلد كيت وكيت، وما شابه ذلك.
أما «وساوس» «خلق القرآن»، وما قاله بشر المُرِيسي وغيره، و(هل النبي نور حقيقة أو مجاز)، فلا يتكلم عنها إلا بعض المهووسين من أدعياء «السلفية»، وكذلك أدعياء «التحقيق والتصوف» من «الأحباش»، ومن شابههم، والمجرمين القتلة من «الجماعة الإجرامية المسلحة» في الجزائر، والغلاة المارقين، أعداء الله ورسوله وصحابته، المتسمين زوراً وبهتاناً «جيش الصحابة» في باكستان، ومن لف لفهم من «الظلاميين»، الذين يعيشون ظلمات «الماضي»، أو في عوالم خيالية أخرى، لا تمت بصلة ولا سبب إلى واقع الدنيا المعاصر، وعالم الناس اليوم.
(6) بل هناك جهل قبيح بحقيقة دعوة الأنبياء إذ أن الظاهر أن أعضاء «الهيئة» يعتقدون أن الأنبياء كانوا يدعون الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له بالمعنى السطحي الساذج: قيام وقعود، وسجود، وذبح قرابين، وإيقاد شموع، ونحوه. وهذا كذب صريح على أنبياء الله المكرمين، المطهرين المعصومين، يكفي لإبطاله مراجعة دعوة لوط، صلوات الله وسلامه عليه: أين هناك السجود والركوع؟! إنما كانت دعوته، في المقام الأول، إلى ترك استحلال الفواحش والمنكرات، ولم يرد فيها قط ذكر وثن أو صنم، أو آلهة يسجد لها من دون الله، أو يستغاث بها، أو يستعاذ.
بل لو زعم زاعم أن قوم لوط كانوا لا يرون ألوهية غير الله بالمعنى المحدود كما تفهمه «الهيئة»، لما كان بعيداً عن الصواب. أما نحن فنستعيذ بالله من قول بدون برهان، وليس عندنا عن قوم لوط علم كاف يظهر لنا: هل كانوا أهل أوثان، أم لا بحيث اقتصر كفرهم وشركهم على شرك التشريع؟!
هذا إذاً هو فهم «هيئة كبار العلماء»، فيا له من فهم سخيف تافه، وفكر منحط بليد، وتعساً لـ«علم» هذا مبلغ حال «كبار» حملته!
ولكن ذلك في الحقيقة أيضاً يثير الشك في «الهيئة» وأعضائها، ويرجح أنهم، أو بعضهم من فقهاء السلاطين الفسقة، الخونة السفلة. لا سيما إذا عرفنا سكوتهم المريب على تولي دولتهم، دولة آل سعود «المباركة»، على حد تعبير كبيرهم بن باز، للكفار، وتمكينهم من احتلال جزيرة العرب، وحصار العراق، وغيره من بلاد المسلمين، لتجويع المسلمين وإذلالهم، بل لإبادتهم والقضاء عليهم، ثم تواطئهم على غزوه، فافتراسه واحتلاله؛ كل ذلك مقروناً مع تبديل الشرائع، وسن أنظمة التابعية والجنسية «السعودية»، العنصرية النتنة الخبيثة، بل الكفرية الملعونة، والترخيص للبنوك الربوية الخبيثة، ومحاربة الدعوة الإسلامية الواعية المخلصة، ووصمها بالإرهاب أو الانحراف أو الابتداع أو الغلو، وعضوية المنظمات الكفرية الدولية مثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وغيرها، إلى غير ذلك من الكفريات والفظائع، التي يشيب لها، والله، الوليد.
وإذا كانت الفتوى آنفة الذكر لـ«هيئة كبار العلماء» ليس فيها كبير أثارة من علم، فالفتوى التالية لعضو نفس الهيئة «الشيخ» محمد الصالح العثيمين لا تصلح إلا أن توصف بأنها خزي وعار وفضيحة!
قال الشيخ في اللقاء رقم (150) من لقاء الباب المفتوح الأسبوعي، وهو مسجل على شريط كاسيت:
إجابة على السؤال «الألمعي»: [ما تقول، عفا الله عنك، فيمن أضاف للتوحيد قسماً رابعاً سماه توحيد الحاكمية؟!]،
فكان الجواب «العبقري»: [...، نقول أنه ضال، وهو جاهل! لأن توحيد الحاكمية هو توحيد الله عز وجل: فالحاكم هو الله عز وجل! فإذا قلت التوحيد ثلاثة أنواع، كما قاله العلماء، توحيد الربوبية فإن توحيد الحاكمية داخل في الربوبية، لأن توحيد الربوبية هو توحيد الحكم والخلق والتدبير لله عز وجل!
وهذا قول محدث منكر! وكيف توحيد الحاكمية؟! ما يمكن أن توحد الحاكمية! هل معناه أن يكون حاكم الدنيا كلها واحداً، أم ماذا؟!
فهذا قول محدث، مبتدع، منكر ينكر على صاحبه، ويقال له: إن أردت الحكم، فالحكم لله وحده، وهو داخل في توحيد الربوبية: لأن الرب هو الخالق، المالك، المدبر للأمور كلها! فهذه بدعة وضلالة]. إهـ.
أرأيت هذا الهذر واللغو المضحك؟! نحن لا نتكلم عن ركاكة الأسلوب، وضعف اللغة، فهو متوقع في مثل هذا التسجيل الشفوي. وليس ابن عثيمين ممن لم يعرف بالدقة، وحسن التفريع، بل هو كذلك، يعرفه من قرأ دراسته وفتاواه في دقائق فقه «الحيض والنفاس»، و«الدماء الطبيعية للنساء». كلا، والله: إنها المجاملة والمداهنة للسلاطين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله!
أرأيت الجهل المركب في قوله: أن الرب هو الخالق، وقد بينا فيما سلف أن الرب هو السيد أو هو المالك، وهو من ثم الآمر النهي، والحاكم المشرع، ولا علاقة لهذه المفاهيم بمفهوم (الخلق). فيا لله، ويا للمسلمين: كيف يسلم أقوام قيادهم لهذا الرجل، فيسألوه الفتيا، ويعظمون رأيه الفاسد إلى حد التقديس؟!
ثم أليس الحكم الشرعي هو أن يكون المسلمون أمة واحدة، لها ذمة واحدة، حربها واحدة، وسلمها واحدة، وأمانها واحد، ودولتها واحدة، وإمامها: الإمام الأعظم أو الخليفة واحد؟! أليس كذلك؟!
أليست الحالة المثالية المطلوبة شرعاً هي: حمل الإسلام إلى كافة بني آدم حتى يدخلوه، أو يخضعوا لنظامه، تحت سلطان واحد؟! فأي غرابة في توحد المسلمين في كيان واحد، تحت حاكم واحد، لا سيما أنه هو الواجب الشرعي؟! وما القبيح في توحيد الدنيا كلها، عند الاستطاعة، تحت سلطان الإسلام الكامل العادل، فيهنأ المؤمن، ويستريح الكافر؟! إن ابن عثيمين يعلم ذلك بيقين، ولا يمكن أن يكون عن ذلك غافلاً، فلم الاستهزاء والسخرية إذن؟! ألا يخشى ابن عثيمين أن توبخه الملائكة عند موته: }أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون v لا تعتذروا، قد كفرتم بعد إيمانكم{، (التوبة؛ 9:65-66)؟!
ويظهر لك بجلاء أيضاً تخبط القوم وتناقضهم، وفساد تقسيمهم للتوحيد إلى «توحيد ربوبية» و«توحيد ألوهية» من اختلافهم في تصنيف «الحاكمية»، التي لا يستطيعون لها إنكاراً، ولا منها فراراً، إلا بالكفر الصريح.
ف«هيئة كبار العلماء» في ما يسمَّى بـ«السعودية» تزعم أن «الحاكمية» فرع مما أسمته: «توحيد الألوهية»، إذ قالت نصاً: (والحكم بما أنزل الله يدخل في توحيد الألوهية)، في حين أن العضو المشهور البارز لنفس الهيئة «الشيخ» محمد الصالح العثيمين يقول نصاً: (فإن توحيد الحاكمية داخل في الربوبية).
وتأمل أيضاً الفرق الشاسع بين ما سلف من لغو وهذر من ابن عثيمين، وقبله هيئة كبار «العلماء»، وبين قول الإمام العلامة ابن قيم الجوزية:
v كما جاء في «مدارج السالكين»، (ج: 2 ص: 182): [وكثير من الناس يبتغي غيره حكما يتحاكم إليه ويخاصم إليه ويرضى بحكمه وهذه المقامات الثلاث هي أركان التوحيد: أن لا يتخذ سواه ربا، ولا إلها، ولا غيره حكما]، انتهى نصاً، حيث جعل الحاكمية، وهي اتخاذ الله حكماً، وحده لا شريك له، وعدم الرضا بغيره حكماً، ركناً من أركان التوحيد.
ولكن صدق رسول الله، خاتمة أنبياء الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله، حيث قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالما، اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم: فضلوا وأضلوا»
v كما أخرجه أحمد: [حدثني يحيى عن هشام أملاه علينا حدثني أبي سمعت عبد الله بن عمرو من فِيه إلى فيِّ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله بعينه]، هذا من أصح أسانيد الدنيا، وهو مسلسل بصريح التحديث والإملاء هنا عند أحمد، وأخرجه أحمد بنحوه من طرق صحاح أخرى، وكذلك البخاري من عدة طرق صحاح بنحوه، واستوعب الإمام مسلم طرقه أو كاد فأخرجه من أكثر من عشرة طرق، وهو عند الترمذي، وابن ماجه، والدارمي بأصح الأسانيد، وفي غيرها.
v ورواه الإمام البخاري في «الصحيح» من طريق أخرى من زاوية طريفة: [حدثنا سعيد بن تليد حدثني ابن وهب حدثني عبد الرحمن بن شريح وغيره عن أبي الأسود عن عروة قال حج علينا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوله (فساقه بنحوه)، فحدثت به عائشة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم إن عبد الله بن عمرو حج بعد فقالت: (يا ابن أختي: انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه!)، فجئته فسألته فحدثني به كنحو ما حدثني فأتيت عائشة فأخبرتها فعجبت فقالت: (والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو!)]، وهو كذلك بنحوه مع زيادات عند الإمام مسلم في «الصحيح».
ولعلنا لا نضيع الوقت في مناقشة هذا اللغو والهذر الصادر من أمثال «هيئة كبار الجهلاء»، أو لعلهم «عملاء» وليسوا فقط «جهلاء»، في ما يسمَّى بـ«السعودية»، ولا رجالاتها من أمثال: محمد الصالح بن عثيمين، فقد بين لنا الناصح الأمين، المعصوم بعصمة الله، حقيقتهم في الحديث آنف الذكر.
نعم: لنضرب عنهم صفحاً فالوقت والعمر أثمن من هذا، والعودة إلى موضوعنا الرئيس أولى وأحرى، بمناقشة أقسام التوحيد، وما يتعلق بذلك من مباحث مهمة، نكتسب بها علما مفيداً، ثم عملاً صالحاً، تصلح به النفوس والقلوب، يقربنا إلى حضرة علام الغيوب، فتحصل به السعادة الأبدية، والنجاة من النار السرمدية، بتوفيق الله ومنه وكرمه، لا إله إلا هو، ولا رب سواه، عليه نتوكل، وبه نستعين!


رأس أقسام التوحيد: تـوحـيـد الـذات



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق