القضية الأولى: سؤال أهل الكتاب، أو غيرهم من الكفار، عن شيء من «الدين» طلباً للعلم والهدى (لاحظ قول عمر: لنزداد علماً إلى علمنا)وهذا محرم تحريماً قطعياً لا شك فيه بقرينة أنه، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله، غضب غضباً شديداً حتى احمرت عيناه من فعل عمر، حتى صاح به عبد الله بن ثابت: (مسخ الله عقلك! أما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وصاح به أبو بكر: (ثكلتك الثواكل ما ترى بوجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟!)، وتنادت الأنصار إلى السلاح، وهذا لا يكون إلا في العظائم. وقد علَّل النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ذلك بأمور عدة تختلف حسب مرتبتها في الأهمية، وهي:
الاعتبار الأول: أن ما في أيدي أهل الكتاب السابق من الكتب والروايات محرف غيرت ألفاظه، وأدخل فيه ما ليس منه، قد اختلط فيه الحق والباطل، والصدق والكذب على وجه لا يمكن التمييز، من داخله، بين أجزائه على وجه متيقن أبداً، كما أنه ناقص لحذف أشياء منه عمداً أو لضياعها. فما ببأيديهم مظلم ملوَّث، لا تقوم به حجة، ولا تبرأ به ذمة. أما ما أتى به محمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو منير نقي، وهو شاف كاف (لاحظ قوله: إني أوتيت جوامع الكلم، وخواتمه، واختصر لي الحديث اختصارا، ولقد جئتكم بها بيضاء نقية) قد تكفل الله بحفظه بحيث يبقى إلى يوم القيامة نقياً تقوم به الحجة، وتبرأ به الذمة. فكيف يسوغ للعاقل طالب الحق أن يترك المنبع النقي الصافي ويتجه إلى المشوب الملوَّث؟! نعم: قد يعذر من لم يجد إلا الملوَّث إذا شرب منه مضطراً كحال المؤمنين بالكتب السابقة قبل بعثته، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما بعد بعثته فلا.
الاعتبار الثاني: وهو أهم من سابقه وأخطر: أن أهل الكتاب السابق لما سبق ذكره من تحريف الكتب وضياعها، ولانتشار الفسق والنفاق في أحبارهم وكهنتهم ورهبانهم، الذين يحرفون الكلم الثابت الصحيح عن مواضعه، ويتأولون الكتاب على غير تأويله، ويجعلون الكتاب قراطيس يبدون بعضها ويخفون كثيراً، ويبقون الكتاب بلغات ميتة بائدة لا يحسنها جمهور الناس ليحتكروا تفسيره، ويتسلطوا على العامة بمعرفته، ولمداهنتهم للسلاطين، وأكلهم أموال الناس بالباطل، أنهم لذلك كله ضلال بعيدون عن الهدى، ومن كان ضالاً بنفسه لا ينتظر منه أن يهدي غيره، ولا يجوز أن يوثق بفتواه، ولا أن يعتد برأيه.
وعلم «الدين» إنما يؤخذ فقط عن أهل الهداية والاستقامة، لا عن أهل الغواية والضلالة (لاحظ قوله: فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا). وهذا يصح كذلك، ومن باب أولى، حتى على منافقة القراء من هذه الأمة المحمدية، لا سيما فقهاء السلاطين، لعنهم الله، بالرغم من حفظ الذكر وسلامته من التحريف والضياع في ذاته، وبالرغم من حفظهم هم للكتب والمتون والشروح، كالحمار يحمل أسفاراً، لأنهم لم يرفعوا بها رأساً، فلا يجوز أيضاً سؤالهم، ولا طلب الهدي منهم وهم قد ضلوا.
اذا كان لا يجوز استفتاء علماء السلاطين فالصلاة خلفهم اذا لا تصح إذن اذا كان ذلك كذلك فهو كذلك
ردحذفالجواب في عدم جواز استفتاءهم وليس في الصلاة خلفهم، والأولى أن تصلي خلف من تطمئن لإمامته ولو كان من عوام المسلمين الذين يعرفون إقامة الصلاة.
حذف